مع حلول موسم العودة إلى المدارس أجد نفسي كباقي الأمهات، أبحث باستمرار عن أفكار جديدة لطعام الفطور والعصرونة. فأحد الأشياء التي تعرفها عائلتي جيداً أن الوقت في صباح أيام الأسبوع هو في العادةِ شحيحٌ جداً. فبين محاولات إيقاظ الأولاد المتكرّرة والاستعداد والتحضير، لا يبقى الكثير من الوقت لصنع فطور فاخر كما في صبيحة أيام العطل الكسولة، كسولة للأهل طبعاً وليس للأولاد، حيث أنه وبفعل عجيب أجدُ أن الأولاد في أيام العطلة يستيقظون باكراً، من الساعة السادسة صباحاً ، هناك أجدهم واقفين متأهبين للحركة دون أي إلحاحٍ منا نحن الوالدين!
أثناء إقامتي في الولايات المتحدة الأمريكية، اكتشفتُ أن الكثير من الأمهات هناك يعتمدن بشكل كبير على الأطعمة المجمّدة والجاهزة لوجبة الفطور، والتي تمتلئ بها رفوف الثلّاجات في محلات السوبرماركت. ومنها تجد فطائر “البان كيك” Pancake والوافلز Waffles المُعدة مسبقاً، أبنائي يحبونها كثيراً. ميزة هذه الوجبات أنها لا تحتاج منك إلا دقائق قليلة من التسخين. فكرتُ وقلت: لماذا لا أصنع أنا فطائر البان كيك التي يحّبها أولادي من مكونات ذات مستوى غذائي أفضل من تلك الموجودة على رفوف محلات السوبرماركت. على الأقل فهي ستكون خالية من المواد المضافة، وبعد أن أقوم بإعدادها أقوم بحفظها في مجمد الثلاجة لحين الحاجة.
أنا كالكثيرات من جيلي تربيتُ في بيتٍ إذا فُتح فيه مجمد الثلاجة، فسوف تجد فيه أكياسًا مليئة بالصفيحة، والكّبة، وأقراص الزعتر والسبانخ والجبن بين أكياس الملوخية وغيرها من الأكياس المبهمة والملفوفة بترتيب تعرفه أمي وحدها، وأي نوع وقطعة من اللحوم هي ولأي “طبخة” تحتاجها!
من الأشياء التي تخطر على بالي أثناء تحضير طعام يشبه الحلوى كأقراص “البان كيك” هي كيف يمكن لي أن أرفع القيمة الغذائية لمثل هذه الوجبة، ويكون ذلك طبعاً بأن أستخدم مواد خام أفضل في صنعها. فمثلاً، بدلاً من استخدام الطحين الأبيض، والذي عادةً ما يكون قد تم تبييضه بالكلور لإعطائه اللون الأبيض الناصع ومن ثم أُضيفت له مادة بوتاسيوم البرومات والتي تعطيه خواص محبّبة أثناء الخبز كالمرونة والخفة. ما يعيب هذه المادة أنه بالرغم من تحولّها إلى مُركّب آخر أثناء الخبيز، إلا أنها قد لا تتلاشى تماماً. وقد أظهرت عدّة دراسات كذلك أن هذه المادة تؤذي الُغدة الدرقية والكلى. بالإضافة إلى ذلك فالخبز المصنوع من الطحين الأبيض يتصرّف في الجسم مثل السكر، فخلّوه من الألياف يجعله أقرب إلى النشاء وبالتالي يرفع نسبة السكر في الدم بشكل سريع.
أما الطحين البلدي الكامل، أي المصنوع من القمح فقط، فهو مليء بالألياف والفيتامينات وبعض المعادن، وهذه الألياف تُبطئ من عملية تحولّه إلى سكر في الدم بعكس الطحين الأبيض. ولربما طعمه مختلف قليلاً، إلا أنه يمكن للأطفال أن يتعوّدوا عليه بالتدريج. ومجدّداً بدأ الناس بالابتعاد عن منتجات الخبز الأبيض لأسباب صحيّة أو لغايات تخفيف الوزن، خاصةُ للذين يعانون من حساسية لمادة الجلوتين، والتي تكثر بنسبة أكبر في الطحين المهجّن. ولأنه من الصعب الابتعاد تماماً عن الخبز، فقد يكون من الأفضل البحث عن أنواع أخرى من القمح ذات الجودة العالية. ومؤخراً أصبح متوفراً في الأسواق أنواع طحين مُعّدة بالكامل من حبوب القمح غير المهجّنة التي كان يستخدمها أجدادنا قديماً، وهذه أقل تهييجاً للأمعاء وأسهل للهضم. وأثناء بحثي الدائم عن “الجديد القديم” بدأت باستخدام قمح العلس – Spelt وأيضاً قمح الخورسان – Kamut وغيرها من الحبوب القديمة. ولو اجتهدنا في البحث قليلاً فقد نجد أنه ما زالت هناك قُرى معينة في بلادنا تزرع وتحصد القمح البلدي الذي توارثناه من الأباء والأجداد.
اذاً، لنصنع فطائر “البان كيك” (pancakes)، وإليكم الطريقة:
أولاً: المواد المطلوبة
- ٤ أكواب من الطحين البلدي أو (العلس أو خورسان)
- ٤ بيضات
- كوبين من الحليب الكامل الدسم (أو اللبن الزبادي)
- ١/٢ كوب زيت جوز الهند او الزبدة المذابة (وليس المارجرين)
- ٢ ملعقة طعام سكر أو عسل
- ١ ملعقة شاي ملح البحر
- ٣ ملاعق صغيرة بيكنج باودر
- ١ ملعقة صغيرة بايكربونات الصوديوم
- ٢ ملعقة صغيرة مستخلص الفانيلا
ثانياً: الطريقة
أقوم بمزج المقادير جيداً، وقد أحتاج لإضافة الماء لجعل المزيج أكثر ميوعة، ربما ليصبح مثل خليط الكيك. أثناء ذلك، أقوم بتحمية مقلاة كبيرة غير لاصقة عبر وضعها على الفرن، ثم أدهنها بقليل من الزبدة وأصب ثلاث دوائر صغيرة من المزيج السائل فيها. ثم أقوم بقلب الفطيرة وأرفعها من المقلاة، وهكذا حتى أنتهي من الخليط. أنتظرُ حتى تبرد الأقراص ومن ثم أضعها في أكياس مخصصة للتجميد في براد الثلاجة. وعندما يحتاج أبنائي “البان كيك” بسرعة قبل ذهابهم للمدرسة، أُخرج حاجتنا من تلك الأقراص وأقوم بتسخينها في الفرن أو من خلال التوستر. هذه الأقراص لذيذة ويمكنني تقديمها مع العسل وزبدة الفول السوداني أو الزبدة العادية. كما يمكنني أن أضع القليل من الفاكهة الطازجة على هذه الأقراص والتي تجعل منظرها أكثر جاذبية!
وصحتين وعافية.
جميل جدا، انا احب الوصفات المصنوعة بالبيت، فهي صحية اكثر واقل ضررا، فعلا مدونة رائعة، شكرا لك 🙂 ولكن كنت اتساءل ما هو (العلس أو خورسان)؟ ومن اين نحصل عليه؟
شكرا لك. يسعدني أنها نالت إعجابك… الخورسان والعلس انواع قديمة مِن القمح والتي كانت تزرع في منطقة الهلال الخصيب ومصر وهي انواع لم يتم تهجينها بكثرة كما حصل في النصف الأخير مِن القرن الماضي مِن اجل إيجاد نوع قمح يستطيع مقاومة عوامل المناخ والآفات الزراعية. فنتج نوع من القمح محدث قيمة الجلوتين اعلى وتركيبته الجينية مختلفة. و مع مر السنين بدا الناس بالبحث عن الأنواع القديمة مِن القمح وزراعتها من جديد. متواجدة عادة في المتاجر الكبيرة. وفي نفس الوقت بقيت انواع من القمح القديم او البلدي بالأردن وفلسطين حسب علمي وبحثي. وان لم تتواجد فالخيار الأمثل هو طحين القمح الكامل.
thank you 🙂