صورة الجسد هي الطريقة التي ننظر بها لأجسادنا – بما في ذلك ما إذا كنا نشعر أننا جذابون وما إذا كان الآخرون معجبين بمظهرنا. بالنسبة للعديد من الناس، وخاصةً في أوائل سن المراهقة، يمكن ربط صورة الجسد ارتباطًا وثيقًا بتقدير الذات.
أن يكون لدى أولادنا صورة إيجابية لأجسامهم لا يعني أن جسمهم هو صورة للكمال. بل يعني أن جسمهم مقبول ومحبوب كما هو – بكل ما فيه من شوائب وانحناءات. وصورة الجسم مرتبطة جدًا بتقدير الذات والاثنان مهمان في حياة أولادنا.
إن تقدير الذات يعكس شعور الطفل بالقيمة بنفسه، ومدى شعوره بأن الآخرين يقدرّونه. تقدير الذات أمر مهم لأن الشعور بالرضا عن النفس يمكن أن يؤثر على صحة الطفل العقلية وعلى تصرفاته. كما يؤثر على شخصيته عندما يكبر، فالأشخاص الذين يتمتعون بتقدير ذات عالٍ يعرفون أنفسهم جيداً. هم واقعيون ويجدون الأصدقاء الذين يحبونهم ويقدّرونهم لمن هم عليه. عادة ما يشعر الأشخاص الذين يتمتعون بتقدير كبير للذات بأنهم يتحكّمون في حياتهم ويعرفون نقاط قوتهم وضعفهم.
كثير من الأولاد يتصارعون مع صورتهم لأنفسهم في مرحلة البلوغ لأنه الوقت الذي يتغيّر فيه الجسد بشكل كبير. هذه التغييرات المصاحبة بالرغبة بأن نكون مقبولين من أصدقائنا تجعلنا نقارن أنفسنا بالآخرين. والمشكلة هنا أن ليس كل المراهقين يتمتعّون بنفس البنية الجسدية.
ثلاثة أسباب رئيسية تؤثر على صورة الأولاد لأجسادهم:
السبب الأول: الميديا وخاصة للفتيات.
السبب الثاني: الأصدقاء.
السبب الثالث: الأهل وبالأخص الأم.
تأثير الميديا على صورة الجسد:
في عالمنا المتأثر بالميديا، يصعب على الأهل السيطرة على تأثير الميديا في حياة أولادهم. فغالبًا ما نرى المراهقين متأثرين ببعض المشاهير وأشكالهم، بكيف يمكنهم أن يكونوا مثلهم، ويبدأون بمحاولة تقليدهم باللباس، والطعام والرياضة، وقد يؤثر ذلك على نظرتهم لأنفسهم وهم يبلغون. إذا كان لدى أولادنا صورة إيجابية لأجسامهم، بغض النظر عن شكلهم فمن المحتمل أن يحبوا ويقبلوا أنفسهم كما هم، حتى وإن كانوا لا يتناسبون مع “مثالية” بعض وسائل الإعلام.
تأثير المدارس على صورة الجسد:
في المدارس، كثيرًا ما يتعرّض الأولاد للتنمّر والسخرية على شكلهم من قبل زملائهم. رغم أن الكثير من هذه التعليقات هي ناتجة عن جهل الأولاد إلا انها تؤثر كثيرًا في صورة الأولاد لأجسادهم وفي نظرتهم لأنفسهم. هل يعاني ابنك من السخرية على مظهره من قبل زملاؤه؟ اقرأ هذا المقال: تأثير العقد الجسدية على ثقة الأولاد بنفسهم
تأثير الأهل على صورة الجسد:
العائلة أيضًا تؤثر بشكل كبير على صورة الأولاد لأجسادهم. وربما لديها التأثير الأكبر. تشير الدراسات إلى أن الأمهات يهتممن أكثر بشكل أولادهم من الأباء وهن المسبب الثالث للصورة السلبية للذات لدى أولادهن.
بعض الأهل يركزون كثيرًا على شكل أولادهم، ويحاولون ادخالهم بالكثير من النشاطات الرياضية للحفاظ على أجسادهم نحيفة، وهناك الكثير من الأهل الذين ينتقدون أولادهم على شكلهم “لماذا شعرك هكذا؟” “أصبحت بدين” “عليك أن تخسري الوزن” “لم تعد ثيابك تليق بك”… ناهيك عن بعض الأهل الذين يبالغون باهتمامهم بشكل أولادهم لدرجة القيام بعمليات تجميلية لهم وهم في سن مبكر. كل هذه الأمور تؤثر على تقدير أولادنا لأنفسهم خاصة إذا كانوا حساسين لتعليقات وأراء الآخرين.
نحن نعلم أن أولادنا لم يولَدوا وهم ينظفون أسنانهم أو يستحمون أو يربطون شريط حذائهم أوتوماتيكيًا، كان علينا أن نعلمهم. كذلك الأمر بالنسبة للقيم التي نريدهم أن يتعلمونها، مثل الأكل الصحي، الرياضة، النوم، النظافة وعدم التهجم على الآخرين فيما يتعلق بالوزن والشكل.
عندما تتحدّث مع أولادك عن الوزن، ركز على تأثيره على الصحة لا على الشكل. ركز على نمط الأكل لا على الوزن والشكل. بعض الأولاد أثقل من غيرهم وشكل جسمهم مختلف، لا بأس في ذلك. هذا مبدأ علينا ان ننقله لأولادنا إن كنا نريدهم ان يكتسبوا مواقف صحية فيما يتعلق بالطعام والجسد.
اقرأ ايضاً: ظننت أني أساعدها.. هل أنا سبب قلة ثقة ابنتي بنفسها؟
حتى وإن كنا نقول لأولادنا انهم كاملون كما هم وأن قيمتهم ليست في شكلهم، ما نقوله أمامهم عن الآخرين وعن أنفسنا له تأثير كبير. تجنبوا التعليق أمام أولادكم مثل “علي أن أخسر الوزن أصبحت قبيحة” “أبدو سمينة في هذه الثياب” أو “هل رأيت كم سمينة هذه السيدة؟” أو “علي أن أخسر الوزن بطني كبير” فهذه التعليقات ترسل رسائل سلبية لأولادنا وتجعلهم يتساءلون عن رأيكم فيهم.
حان الوقت لتغيير طريقة كلامنا. فالطريقة التي نتكلّم بها عن أجسادنا ستؤثر على أولادنا. والطريقة التي نسلك بها ستؤثر على أولادنا، فالطعام الذي نأكله أو نقدمه، سواء كنا نمارس الرياضة أم لا، والأهمية التي نضعها على شكلنا ستؤثر على أولادنا. تصرفات الأهل تأثيرها أكبر من كلامهم.
بعض العلامات التي تشير على أن طفلك لديه صورة سلبية لجسمه:
من المهم أن نقرأ جيدًا الإشارات التي تشير أن أولادنا لديهم صورة سلبية عن أجسامهم وذلك لنعالج الأمر باكرًا. من هذا العلامات:
- ابنتك تنظر الى نفسها فقط من الناحية الجسدية (الشكل).
- اللغة التي تستخدمها ابنتك لتصف نفسها تتمحور حول شكل جسمها وجاذبيتها.
- الإفراط بالريجيم.
- التعليق الدائم على وزن الآخرين.
- القلق على جاذبيتها الجسدية.
- إحباط وعدم تقدير للذات.
- ابنك يخجل بارتداء ثوب السباحة.
- ابنك ينحرج عندما يكلّمه احد ما عن وزنه أو شكله.
- ابنك دائمًا يتساءل إن كان شكله لائقًا جسديًا.
يمكن للأهل حماية أولادهم عبر:
- مساعدة أولادهم على إدراك أن الأجسام تتغيّر مع الوقت.
- مساعدة أولادهم على إدراك أنه لا يوجد جسد مثالي.
- الانتباه لما يقولونه عن أجسامهم هم والتعليقات التي يطلقونها عن أجسام الآخرين.
- تجنّب الحكم والنعوت مثل: قبيح، بدين، قصير، طويل…
- مساعدة أولادهم على التركيز على مقدراتهم وشخصياتهم بدل شكلهم.
- التشجيع على الرياضة والحركة بهدف الصحة. الأولاد الذين يمارسون الرياضة لديهم تقدير للذات أعلى من غيرهم ولديهم اجساد صحية. الهدف هو اللياقة البدنية لا النحف والوزن الخفيف.
- عدم تشجيع الأولاد على وزن أنفسهم كثيرًا.
- لا تتحدثوا عن الريجيم بل عن تناول طعام صحي.
- لا تتحدثوا عن الرياضة لخسارة الوزن، بل لبناء بنية جسدية قوية.
- لا تتحدثوا عن خسارة الوزن بهدف الجاذبية والجمال، بل لتحسين أجسادكم صحيًا.
- لا تخجلوا من اتخاذ الصور بسبب شكلكم، بل استفيدوا من تسجيل كل لحظة مع أولادكم في صورة.
- لا تعبس عندما تنظر إلى نفسك في المرآة، بل ابتسم وفكّر انك تساعد ابنك/ابنتك على النجاح مع نفسه/ها.
- لا تجبر أولادك على إنهاء طبقهم كله، بل شجّعهم على التوقف قليلاً وفحص أنفسهم سواء كانوا قد شبعوا أم لا.
- لا تضع الكثير من الطعام في الطبق، ضع القليل وأضف عند الحاجة.
- لا تركز على الشكل الخارجي لأولادك، بل علّمهم كيف يكونون أشخاصًا صالحين.
- امدح أولادك على صفاتهم الداخلية لا فقط على شكلهم.
- لا تحذف من الوجبات، بل علّم أولادك أهمية تناول ثلاث وجبات يوميًا.
- لا تقرّر دائمًا ما يجب أن يأكله أولادك، شاركهم الرأي.
- دعهم يختارون بعض الأطعمة عند التسوق. استخدم هذا الوقت لتعلمهم خيارات الأطعمة الجيدة.
- علمهم ان التنوع في الأطعمة أمر صحي للنمو. علمهم عن الفيتامينات، البروتيين، والمعادن.
- لا تتناول الطعام القليل السعرات الحرارية أو الخالي من الدسم فقط. تناول الفاكهة والخضار والوجبات الصحية.
- لا تقل “يا ريت شكلي مثل هذا الشخص”، بل تمثل بشخص لديه شخصية جيدة، موقف جيد، لطف وأعمال صالحة.
- اجعل اولادك يسمعونك تقول “أريد أن أكون صالحًا مثل هذا الشخص”.
اقرأ المزيد هنا: ثلاث طرق لمساعدة ابنتك أن تشعر بالثقة بمظهرها
ماذا تفعل عندما تسمع ابنك/ ابنتك ينتقد شكله؟
إذا سمعت ابنك/ ابنتك ينتقد شكله، لا تستخف بالأمر. تحدّث معه عن تعليقه واطرح الأسئلة. مثلًا: إذا قالت ابنتك التي تبلغ من العمر 10 سنوات أن بطنها كبير، لا تقل لها “لا تكوني سخيفة” بل اسألها لماذا تظن ذلك. هذا سيفتح المجال أمامك للحديث معها وسيعطيك الفرصة للتحدّث معها عما يجعلها مميّزة. يمكنك لاحقًا أن تتحدث معها عن كيف يكون الجسم صحيًا وكيف أن الجسم الصحي مختلف عما نراه على الشاشة وفي المجلات.
قد تندفع إلى منع أولادك من مشاهدة التلفاز إذا عرفت أن التلفاز يضرّهم. لا تفعل. بل العكس، اجلس وشاهد برامجهم معهم وحاورهم بما تراه. تحدّث عن كيف يصوّرون الناس على التلفاز وكيف يستخدمونهم. الفت نظرهم إلى الرسائل السلبية الموجودة في تلك البرامج. هذه فرصة لك للتركيز على أهمية الصفات الشخصية التي هي أهم من الشكل الخارجي. ليس خطأ أن نمدح أولادنا على شكلهم ونطري على جمالهم، لكن يجب ألا يكون ذلك محط تركيزنا.
اقرأ أيضاً: خطوات بسيطة لمساعدة ابنتي على إدراك أن قيمتها تتعدى مجرد مظهرها
دورنا كأهل مهم جدًا في تشكيل شخصية أولادنا اليوم من أجل مستقبل أفضل لهم. فلنعمل على بناء صورة إيجابية لأجسادهم لديهم لأنها تؤثر على تقديرهم لأنفسهم وثقتهم بأنفسهم، ولنحمهم من ضغط الميديا والأقران.
GIPHY App Key not set. Please check settings