أنا أكرهك يا أمي … هل كنت تعتقدين يوما ما أنك ستسمعين تلك الكلمة من طفلك لأي سبب من الأسباب؟ وهل تعتقدين أن طفلك يقصد المعنى الحقيقي من تلك الكلمة عندما يقولها؟ هذه الأسئلة سألتها لنفسي عندما سمعت طفلي يخبرني بأنه يكرهني، ولكن لم يكن لديّ أي إجابة له ولم استطع قول أي شيء في تلك اللحظة لأنه قالها وذهب إلى غرفته فورًا.

بدأت أبحث عن السبب الذي يجعل ابني يقول أنا أكرهك، وهل من شيء فعلته يستحقّ ذلك بالرغم من كل شيء أفعله لأجله ولأجل أن يكون سعيدًا. بدأت أحاول إقناع نفسي بأنها مجرد كلمة خرجت من فمه الصغير بالرغم من أنها كلمة كبيرة في معانيها، إلا أني لم أعطِ الموضوع أكبر من حجمه حتى لا أخسر علاقتي مع ابني. وبما أن السبب لتلك الكلمة كان رفضي لإضافة خمس عشرة دقيقة على ساعة اللعب، عندها أيقنت أنه قالها نتيجة لغضبه لا أكثر.

لا أنكر أن تلك الكلمة أثّرت فيّ، وجعلتني أبحث كثيرًا، ووجدت أن هناك أكثر من سبب يجعل الطفل يكره والديه أو أحدهم حتى لو لم يكن يقصد المعنى الحرفي للكراهية. لذلك وجدت أن الكراهية قد يكون ليس فقط للرفض وعدم القبول، ولكن قد يكون لشيء تصرّفه الأب أو الأم مثل حرص الأب أو الأم كثيرًا على الطفل. فالحرص الزائد عن حدّه ينقلب ضد الطفل ويقلل من الثقة لديه. فعندما يرى الطفل بأن والديه شديدا الحرص عليه فإنه يشعر الطفل بأنه غير قادر على التصرّف وحده بأي أمر كان إلا بمشورة والديه، ولذلك فإنه عندها يشعر بالعجز عن التعبير مما يشعر بكرهه لهم، ولن يمنعه ذلك من أن يقول لهم أنه يكرههم.

كذلك عندما نتعامل معهم بطريقة لا تعجبهم، مثلاً أن نرّبيهم بخشونة خصوصًا للذكور لأننا بذلك نعتقد أننا نربي رجالًا، متناسين أنهم أطفال ويحتاجون العاطفة أكثر والرقة في التعامل، وكذلك يحتاجون الى المعانقة والتقبيل والاهتمام بهم لأنه بذلك لا يقلل من تكوين شخصية قوية كما نرغب لأبنائنا، بل بذلك نعزّز تلك الشخصية القوية.

كما أن للقسوة والضرب دور كبير في زراعة الكره بين الأبناء لآبائهم، وليس لفترة قصيرة بل هي كراهية للمدى البعيد من الابن لوالديه خصوصًا عندما يضرب الطفل ويقسو عليه على أمور لم تتولّد لديه بعد مفاهيم حكمة للشيء وعمله، وعليه فتكون أعمال الأبناء مرفوضة لدى الأهل فيلجأ الأهل للضرب والقسوة معتقدين أن الطفل يتعلّم من الضرب ولا يكرّر ما قام به. اقرأوا هنا: كيفية تأديب الطفل دون اللجوء إلى الضرب والصراخ

شيء آخر قد يكره الأبناء آبائهم لأجله هو كره أحد الوالدين للآخر. ومثال على ذلك الأولاد بشكل عام يولدون ويحبّون أمّهم بالفطرة، خصوصًا لأنهم يشعرون بحنانها ومحبتها لهم ووجودها دائمًا بجانبهم في كل أمور حياتهم. فإذا شعر أحد الأبناء بأن والدهم يقسو على والدتهم فذلك حتمًا يربي شعور الكره من الأبناء لآبائهم خصوصًا عندما يشعرون بأنهم عاجزون عن حماية والدتهم من ظلم الأب أو ضربه أو منع أي أذى قد يلحق بها بسبب والده. عندها تكبر الكراهية في قلوبهم ويصبح لهم رغبة كبيرة في البعد عنه.

ومن أكثر الأمور المؤثرة في الأطفال أيضًا وتزرع شعور الكره لوالدهم هو انحراف الأب، ليس المقصود الانحراف الأخلاقي أو ما شابه بل المقصود هو أن الأبناء يضعون صورة معينه لوالدهم، صورة مثالية في عقولهم، ويعظّمون هذه الصورة ويحترمونها. وفي داخلهم يولد حب لتلك الشخصية التي رسموها ببالهم لوالدهم ويفتخرون به كثيرًا. ولكن إذا اكتشفوا يومًا أنه ابتعد قليلاً عن الصورة التي رسموها ببالهم له، فإنهم يبدأون بكره والدهم لأنه السبب في خيبة الأمل التي تعرّضوا لها. وعندما تستمر أعمال الوالد بالابتعاد عن صورته في مخيلة الأطفال، يبدأ الأب بالسقوط من أعين الأبناء تدريجيًا حتى يصل الأبناء إلى مرحلة فيها لا يعرفون من يكون ذلك الرجل ويبدأون بكرهه بسبب خيبة الظن.

كذلك السخرية من الأبناء والاستهزاء بهم وبأفكارهم وآرائهم عندما يحاولون المشاركة بها في حديث ما، حيث يشعرون بأنهم يريدون إظهار قدراتهم على التفكير، ويبدون رأيهم وبعد ذلك يبدأ أحد الوالدين بالسخرية من رأي الطفل ومن أفكاره والتي تكون قد أخذت الوقت الكبير من الطفل محاولاً ربط الأمور ببعضها ليتحدّث بها.

ومن الأمور التي قد تسبّب في كراهية الأبناء لآبائهم هي الإهمال وعدم الاهتمام بحياة الأبناء ولا حتى نفسياتهم ولا ومتابعتهم دراسيًا ولا حتى بمشاكلهم وآلامهم، حيث يعتقد بعض الوالدين أن تقديم كل ما ينقص الأبناء هو كل ما يحتاجه الطفل غير مهتمين لأي عامل نفسي قد يتعرّض له الطفل ويكون بحاجة إلى وجود والديه بجانبه.

كما أن إجبار الأبناء على عمل شيء رغمًا عنهم يسبّب في الكراهية لعدم احترام رأيهم الخاص وحريتهم في اختيار الأمور، مثلاً اختيار التخصص للدراسة أو مجال العمل بحسب رغبة الاهل دون الاهتمام لرغبة الأبناء مما يولّد ذلك الكراهية للأبناء، وأحيانًا يشعر الأبناء برغبتهم في رحيل أحد والديهم ليتمكنوا من الحصول على حريتهم التامة في قراراتهم.

وللتفضيل والظلم سبب كبير في الكراهية أيضًا، فعندما يشعر الطفل بأن هنالك أخ له أو أخت مفضّل لدى والديه، ذلك يساعد في نمو مشاعر الكراهية والشعور بالظلم كذلك.

What do you think?

Written by رولا

دوري في الحياة أم وأب
أم لولدين أعمارهم 19 و12 سنوات. دوري في الحياة أم وأب لأبنائي بعد أن توفي زوجي منذ 12 سنة. أحب القراءة والطبخ وعمل الحلويات. أتطلع لتربية عملية علمية سليمة لأبنائي.

اترك تعليقاً

GIPHY App Key not set. Please check settings

2 Comments

  1. انا ام لولدين 7 و 4.5 سنة وباشتغل .. فيه وقت مش باعرف اتعامل فيه مع الاولاد وهو وقت اسميه “الهايبرة” حيث يحدث فيه ان الاولاد يقعدوا يجروا وينطوا ويضحكوا من غير سبب ويرموا اي حاجة ويحدفوا اي حاجة علي بعض ممكن تؤذيهم .. الوقت ده مش بنعرف ولا انا ولا باباهم نسكتهم ولا بنعرف نتعامل معاهم ازاي بس بنقعد نزعق ونهدد وبرضه محدش منهم بيسكت غير بالعياط اما بسبب ان حد منهم اتخبط او بسبب اننا ضربناهم عشان يبطلوا .. انا طبعا متأكدة انه اللي بنعمله معاهم مش صح بس عاوزة اعرف في الوقت ده ايه اللي المفروض اعمله معاهم عشان يهدوا .. علما اني انا وباباهم نميل الي الجدية وان الضحك من غير سبب مش كويس.. شكرا

استبدال لغة الأوامر للأطفال بهذا الأسلوب يعطي نتائج أكثر فاعلية

استبدال لغة الأوامر للأطفال بهذا الأسلوب يعطي نتائج أكثر فاعلية

كيف أحمل بولد أو بنت؟ نصائح تساعدك في تحديد جنس الجنين

كيف أحمل بولد أو بنت؟ نصائح تساعدك في تحديد جنس الجنين