نعيش في مجتمع وثقافة يُدهشني فيها الطرق والقوانين الغريبة التي يُعبّر فيها عن الحب والتقبّل للآخرين وخصوصًا عندما نتعامل مع الأطفال.
لطالما سمعنا عبارات كنّا نظن ولفترات طويلة أنها عبارات عادية عابرة عن غير قصد لا تؤثّر على أحد، ولم ندرك الأثر السلبي التي قد تتركة هذه العبارات على نفسية المستمع.
من إحدى العبارات التي تعوّدت على سماعها في الطفولة وما زلت للأسف أسمعها من الكثير من الآباء:
“إذا ما بتكمل صحنك…. ببطل أحبك”، “إذا ما بتعذّب وبتكون شقي…. راح أحبّك”، “إذا بتسمع الكلمة من أول مرة… إنت حبيبي!!” عبارات فيها تهديد عن غير قصد ولكن قد يشعر منها الطفل أن عليه أن يفعل شيئًا ليكون محبوبًا من والديه.
والبعض يستعمل عبارات مثل: “ما راح أحكي معك طول العمر لأنك عملت هيك…. أو قلت هيك… أو تصرّفت بهذه الطريقة… “، “وإذا ما جبت علامات عالية بالامتحانات راح أغضب منك.. وبتبطل ابني..!!” كلمات وعبارات هي حرفيًا ليست مقصودة ولكن ما يصل من وراء هذه الكلمات ما هو إلا رسائل مغلوطة تُشعر الآخر (الطفل) بعدم الأمان والحب، وأن حبّ الآخرين له هو حبّ مشروط مربوط بالأداء والعمل.
ومن أصعب عبارات التهديد التي سمعت الكثيرين يستعملونها للتأديب أو التوبيخ عن الخطأ أو لحث الأطفال لعمل الصواب هي تلك التي يُقال فيها أن الله غاضب منك، وأن الله سوف يعاقبك، وأنه لن يحبّك..
تطوّر استخدام الشروط للحبّ والتقبّل إلى علاقتنا بالله وحبّه غير المشروط لنا وبدأنا باستخدامها كأداة للقصاص ممّا جعل الكثيرين لا يصدّقون حب الله.
كل هذه الأمور تضع الشخص تحت ضغط هائل من التوقّعات العالية التي تجعله يتصرّف بطرق غير مناسبة، أو لا يستطيع القيام بأمور ما (فوق طاقته)، أو حتى قد يتنازل عن مبادئه وقيمه من أجل الحصول على التقبل والحب.
أشعر بالحزن الشديد وأنا اتكلّم عن هذا الموضوع وتأثيرة ليس فقط على الأطفال رغم أهمية الانتباه له بالتربية بل أتكلّم عن مجتمع، وبيئة رجال ونساء يعيشون ويتصرّفون في محاولة مستمرة لنيل الرضا والتقبّل والحبّ الحقيقي من الآخرين وبأي ثمن. يلبسون أقنعة مختلفة تخفي وجوههم الحقيقية لكي تتناسب مع توقّعات الآخرين ولنيل القليل من الحب والتقبل. أفكار وتوجّهات خاطئة عن القيمة الحقيقية التي أعطانا إياها الله كإنسان.
أشعر بالحزن على المرّات الكثيرة التي كان عليّ أن أعيش تحت وطأة هذه الأفكار المغلوطة عن ذاتي.
(عليّ أن افعل شيئًا لنيل الحب والرضا) وللأسف في الكثير من المرّات نقلتها لأبنائي بغير وعي ومعرفة.
الحب غير المشروط …… عبارة لها معانٍ كبيرة وكثيرة على نفسي، فكل واحد منا ولد وله قيمة عظيمة وله قدرات هائلة ومواهب وميّزات متعدّدة لا نستطيع أن نضعها في قوالب محدودة لكي نأخذ استحسان ورضا الآخرين ولا يحقّ لنا أن نطلب من الآخرين ان يكونوا بحجم قوالبنا وحسب توقّعاتنا ولكن علينا أن نتذكّر أننا ولدنا أحرارًا بمحبة كاملة وقبول تام من خالقنا.
وأن بمثل هذا الحب علينا أن نحبّ الآخر، فالحب الحقيقي هو أن تنسى نفسك وتترك توقعاتك وشروطك، كن حرًا وأحبّ الآخرين بحرية وحب غير مشروط.
مقالات/فيديوهات مقترحة:
خمس طرق تظهر فيها محبتك لابنك المراهق
GIPHY App Key not set. Please check settings