لعلنا لا نختلف بأن صراخ الأطفال هو أكثر مشكلة يعاني منها الوالدان في رحلة التربية للأبناء. فهم غالبًا ما يقفون حائرين أمام ذلك الصوت المزعج محاولين إيجاد إجابة لأسئلة عديدة مثل: كيف يكون طفلنا بذلك الحجم الصغير والقادر على إخراج مثل هذا الصوت المرتفع المزعج؟ ماذا فعلنا له حتى يكون ردّه بصراخ هكذا؟ هل لدى طفلنا أي مشكلة نفسية أو عادة غير صحّية جعلته تصرخ؟ متى سيتوقّف عن هذا الصراخ؟ هل علينا أن ننتظر عدّة سنين؟
كل هذه الأسئلة تخطر ببالنا، ولكن السؤال الأهم الذي لا نفكّر به أبدًا هو: لماذا يصرخ طفلنا؟ ما الرسالة التي يحاول أن يوصلها لنا من خلال صراخه؟ نعم الصراخ هو وسيلة الطفل الوحيدة ليخبرنا بأنه منزعج، لو فكّرنا في الأمر قليلًا فسنجد أن ليس هناك مرّة واحدة فيها بدأ طفلنا بالصراخ دون أي سبب. وللإجابة عن السؤال الأكثر انتشارًا في عالم الصراخ وهو متى يتوقّف طفلنا عن الصراخ، نجد أنه يتوقّف لمجرد أن نشعِره بأن رسالتك وصلت، ونحن نعمل على إصلاح الأمر.
يبدأ الطفل حياته بصرخة كبيرة عندما يولَد، وهذه الصرخة فيها يقول: أين أنا؟ ولماذا أخرجتني من ذلك المكان الدافئ؟ وأين أمّي التي اعتدت على صوتها لعدّة شهور؟ سرعان ما تحمله أمّه وتضمّه إليها وتهدّئ من خوفه، وتقول له: أنا هنا وأنت معي. عندها سيشعر بالراحة ويهدأ ويبدأ بالاعتياد على حياة جديدة فيها لا يهمّه ماذا يحصل لاحقًا لأن أمّه معه.
في الشهور الأولى:
- يصرخ الطفل عندما يرى وجوهًا جديدة أتت ترحّب به، ولكن أمّه تعرف بسبب خوفه، فتطمئنه بصوتها. وهو يصرخ عندما يصدر صوتًا عاليًا غير معتاد عليه، ويصرخ عندما يشعر بالجوع، ويصرخ عندما يشعر بالحاجة إلى تغيير الحفاظ، ويصرخ مع تقلّبات الجو التي لا تجعله يشعر بالارتياح. كل هذه الأمور تدركها الأم، فهي تعلم بأن الشيء الوحيد الذي تغيّر هو مثلاً ارتفاع صوت التلفاز، وهي تعلم موعد طعامه وموعد تنظيفه وشعوره بالحر والبرد، فتقوم بإصلاح الأمور لطفلها ليهدأ ويعود إلى طبيعته.
في السنة الأولى
- يستخدم الطفل الصراخ كوسيلة للتعبير عن مشاعر يدركها، ولأنه لا يستطيع أن يتكلّم فيلجأ للصراخ. “هذا السنّ الذي يحاول أن يشقّ اللثة يؤلمني”، فتجده يضع إصبعه في فمه ليعلم أمه بذلك. مرّة أخرى يحاول أن يخطو أولى خطواته، ولكنه سرعان ما يجد نفسه على الأرض متألمًا، فيضع يده على ركبته ويصرخ عاليًا ليخبر والدته بما حصل. هنا يكون صراخه مصحوبًا ببكاء تعبيرًا عن الألم والغضب لما حصل معه. وبمجرّد معرفة الأم لما حصل، فإنها تعالج الأمر فيتوقّف الطفل عن الصراخ.
- في السنة الأولى من عمر الطفل نجد أنه يبكي لأسباب تعرفها الأم بسرعة وتتمكّن من التعامل معها، فلا يضطر الطفل للصراخ أو البكاء لوقت طويل. ولكن في حال استمر الطفل بالصراخ والبكاء خلال السنة الأولى من عمره، وكانت الأم تعلم جيدًا أنه لا يوجد أي سبب للصراخ وحاولت كل ما عندها واستمر في الصراخ، فمن الضروري متابعة الطبيب للتأكّد من سبب هذا الصراخ المستمر.
أما المرحلة التالية، وهي عمر السنتين إلى أربع سنوات:
- نجد أن صراخ الأطفال يكثر، وهذا أمر متوقّع، فهذا هو العمر الذي تتكوّن فيه شخصية الطفل، ويبدأ فيها بالاستقلال عن والديه بطريقته الخاصة، ويحاول الاعتماد على نفسه واكتشاف كل ما هو حوله وزيادة قابليته للتعلّم والتقليد، ولكنّه عندما لا يعرف كيف يصل إلى ما يريد يبدأ بالصراخ معتقدًا أنه فشل. ويكون من الصعب على الوالدين معرفة ما يدور بمخيلة الطفل حتى يساعدوه أكثر. عندها فمن الأفضل في البداية الاقتراب من الطفل بابتسامة من والديه أو من واحد منهما، والطلب منه أن يحاول إخبارهم بما يزعجه أو أن يشير إلى الشيء الذي سبّب له الإزعاج ليتمكّنوا من مساعدته أكثر، ويجب تجنّب الصراخ عليه أو إخباره بأننا لا نفهم ما تريد.
- ومن الأسباب الأخرى التي تجعل طفل هذه المرحلة يصرخ هو قدوم مولود جديد للعائلة، وشعور ذلك الطفل بأن والدته منشغلة دائمًا بالطفل الجديد، وهو لا يحصل على الوقت الكافي من أمّه. عندها يصرخ حتى يلفت انتباه أمه له بأنه موجود، ويحتاج إليها حتى لو لم يريد أي شيء منها. لذلك على الأم محاولة تنسيق الوقت بين الأبناء حتى لا يشعر أحدهم بنقص يؤثر عليه ويجعله دائم الصراخ.
- أكثر الأوقات التي يصرخ فيها الطفل في تلك المرحلة هي في الليل، لأنه يرفض الانفصال عن والدته حتى في وقت النوم. وبشكل خاص إذا شعر بأنها تقضي الوقت مع الطفل الجديد، فتجده يصرخ بصوت عالي أحيانًا ويقول إني جائع أو أريد الذهاب إلى الحمام أو إني خائف أو أي سبب آخر يجعل أمّه بجانبه لفترة أطول.
قد يستخدم الطفل أسلوب الصراخ للحصول على ما يريد، وعندها يشعر الوالدان بالحاجة إلى تلبية رغباته حتى لا يتسبّب لهم بالإحراج. مثلًا عندما يكون مع والديه وهم يشترون لوازم البيت، تجد أنه يصرخ لأجل شراء لعبة أو نوع حلويات. قد يرفض الأهل ذلك مرّة وأخرى، ولكن عندما يشعرون بأن الجميع ينظرون إليهم يشعرون بالخجل ويقومون بتلبية رغبته. هذا التصرّف خاطئ جدًا لأننا نبدو وكأننا نقول له: اُصرخ عندما تريد شيئًا، ولكن الحلّ الأمثل هو محاولة لفت انتباه الطفل لأي شي واضح أمامه، وتجاهل الصراخ وكأنّه لم يحصل أبدًا.
من السهل جدًا السيطرة على صراخ الأطفال ، ولكن علينا أن نكون حذرين في التعامل واتخاذ القرارات بحذر، حتى لا نضطر إلى تغييرها وإلا ستبقى سلاحًا في يد الأبناء يحاربوننا به.
اقرأ ايضاً: كيف أسيطر على نوبات الغضب عند طفل في عمر السنتين
GIPHY App Key not set. Please check settings