صراع الأجيال
هذا التعبير يجعلنا نشعر للوهلة الأولى وكأننا نعيش في حرب مع أبناء الجيل الذي قبلنا (وهم أهلنا وأجدادنا)، ومع أبناء الجيل الذي بعدنا (وهم أطفالنا وأحفادنا). إن فكّرنا للحظة في هذا التعبير فسنجد إن الموضوع ليس صراعًا ولا حربًا، فهو مجرّد اختلاف في الثقافات والمفاهيم والآراء وطريقة الحياة، ولكن إن لم نتعامل معها بشكل سليم سيتحوّل لحرب بكل معنى الكلمة، وستكون النتيجة خسارة الطرفين.
في الآونة الأخيرة تكرّرت عبارات الاتهام الموجّهة من قبل طفلي المراهق إلينا نحن والديه، وكثيرًا ما كان يقول لنا بأننا لا نفهمه ولا نحترم رأيه، وأننا غير قادرين على مواكبة عصره. كما وتجده يخفي الكثير من يومياته عني وعن والده لأنه يعتبر أننا لا نتجاوب معه، وأننا نريده أن يعيش وفق قيمنا التي عشناها في عصرنا.
ومن ناحية أخرى تجدنا، كأهل، نستغرب أشكال الملابس الغريبة التي يحبّ ارتداءها، بالإضافة إلى تسريحات الشعر الملفتة للنظر، ووجهات النظر المختلفة التي يتبناها، وأنماط الموسيقى الغريبة التي يفضل سماعها، حتى أنني أستغرب من أنواع الطعام التي يفضّل تناولها، وتجده لا يحترم رأينا ولا يهتم لخبرتنا.
من خلال نقاشي مع أصدقائي الذين يعانون من نفس الموضوع، وجدت اختلافًا كبيرًا في آراء الآباء من أسرة لأخرى. فهناك بعض الأسر كانت تفرض سيطرتها الأبوية على أبنائها وتستخدم معهم أسلوب الحزم والفرض للطريقة التي يعيشونها، وتمنعهم من فعل أشياء لا تمثل ثقافتهم أو الأفكار التي تربوا عليها. لكني وجدت أن النتيجة الطبيعية لهذه الطريقة ستكون نفور الأبناء من الأهل وكرههم للسيطرة الأبوية، وستدفعهم بالتالي لفعل ما يريدون من رغبات في الخفاء. وبنفس الوقت سيولّد لديهم إحساسًا إنهم مضطهدون ولا أحد يفهمهم، وربما سيجعلهم يعيشون بحالة من الانعزال والشعور بأنهم ضحايا، وكل ذلك له توابعه التي ستنعكس بالسلب على الأبناء مثل الدراسة والأخلاقيات والطموح والمستقبل.
أما الرأي الآخر هو أن يتقبّل الوالدان وإلى حد ما أفكار أبنائهم، ويستوعبون الاختلاف بين الجيلين، ويحاولون بناء جسور صداقة قوية مع أبنائهم بهدف التقرب منهم، ومحاورتهم وإرشادهم. وقد وجدت إن هذا الأسلوب هو الأنسب والأصح، لكنه بالطبع ليس الأسهل…
فمن الصعب التعامل مع الأولاد بطريقة مرنة بحيث نسمع لآرائهم ونقبلها والتي تبدو مختلفة بشكل كلّي عن آرائنا، وأن نرى أخطاءهم ونترك لهم حريتهم الشخصية للتحرّك وعمل ما يريدونه دون التدخل في قراراتهم…..
لكن هذه المرونة بالتعامل لم تمنعنا من التحدّث إليهم وتوجيه النصيحة والإرشاد في الوقت المناسب، وأحيانًا كنا نوجه إليهم النقد لكن دون أن نجرحهم أو نقلل ثقتهم بأنفسهم ….
وبالنهاية فإن اعترفنا بأن الزمن قد تغيّر، وبالتالي تغيرت معه الكثير من المفاهيم والآراء، وأن صراع الأجيال بيننا وبين أطفالنا هو أمر طبيعي وهو فترة وتعبر وسيعرف الابن فيما بعد كيف لم يكن على حق، فهذا سيحلّ نصف المشكلة.
وعندما نؤمن بأن الأجيال الجديدة لديها رؤية مختلفة وحياة جديدة لا تشبه سابقتها، فهذا سيعطينا إحساسًا بالسلام والسكينة الداخليين، ويساعدنا أن نتعامل معهم بمرونة ووعي أكبر حتى لا نقطع علاقتنا بهم وبالتالي نخسرهم. لكن نحاول قدر الإمكان بناء علاقات صداقة ومحبة لننتج جيلًا أنضج وأوعى.
اقرأ ايضاً: 11 خطوة لكسب ثقة أبنائك