تعلو أصوات الفرح والصراخ في المنزل عندما يعرف أطفالي أن جدّه وجدّته قادمان لزيارتنا، ثم تبدأ تجهيزات الاستقبال والتحضير، وما إن يُقرع جرس المنزل حتى تجدهم في سباق على مَن سيفتح الباب أولاً…
وبعد أن يأتيا ويقضيا النهار، وقبل موعد الرحيل تبدأ التوسّلات وعبارات الترجّي من أطفالي لهما ليقضيا الليلة ويناما عندنا، ويتسارع أطفالي لإخفاء أغراض جدّيهما محاولين عرقلة ذهابهما من منزلنا.
هذه التصرّفات العفوية التي تصدر من أطفالنا هي أجمل ما يمكن أن يقدّموه لأجدادهم، فهو يجعلهم يشعرون بأسمى مشاعر الحبّ النقية والتي تجعلهم في غاية السعادة.
لكننا أحيانًا نشعر بالتعجّب، وربما الغيرة سواء من تصرّفات أطفالنا أو من تصرّفات أهلنا!!!!
فأنا أستغرب المرونة والصبر الكبيرين الذي يتعامل بهما والداي ووالدا زوجي مع أطفالي، وكيف يقضون معظم الوقت وهم يلعبون معهم ويقرأون لهم القصص ويرافقونهم في النزهات والمشاوير، ويتحمّلون أخطاءهم….. فتجد الطفل ينظر إالى جدّه وجدّته على أنه هذا البطل والإنسان الحكيم الذي يعرف كل شيء، وهو القادر على سرد القصص المشوّقة بطريقة جذّابة، لدرجة أنهم يستمعون بشوق كبير له.
وبنفس الوقت أحبّ تعلّق أطفالي الشديد ولهفتهم على جدّهم وجدّتهم ، لكن أستغرب إن هذه اللهفة لا تظهر في علاقتهم معنا، مع إننا نقدّم لهم كلّ الحبّ والاهتمام ونعتني بهم، ونهتّم بالتفاصيل الصغيرة والكبيرة في حياتهم…..
لكن عند التدقيق في هذه العلاقة نلاحظ أن تربية أطفالنا هي مسؤوليتنا بالدرجة الأولى، ففيها المكافأة والعقاب، الفرح والحزن، الهدوء والغضب، ولأن مهمّتنا غرس السلوك الجيّد لدى أطفالنا، ومتابعة أكلهم الصحّي والحفاظ على نظافتهم وصحّتهم ومتابعة دروسهم ونجاحهم في حياتهم، فإننا قد نغضب عليهم ونعاقبهم، وقد نحرمهم من أمور يحبّونها. نجد إن هذه الطريقة بالتعامل والحرمان غير موجودة في قانون تعاملهم مع الجدّ والجدّة الذين يقدّمون الحبّ والعطف لهما ويعيشان معهما اللحظات الحلوة فقط وينالون منهما المكافآت والهدايا المستمرة، ويجتهدون في جعل العلاقة وطيدة ومميّزة. فمن الطبيعي أن يميل الطفل إلى جدّته التي تدلـّله، والتي تحتمل أخطاءه وتصبر عليه.
وإذا أمعنا التدقيق بهذا الموضوع فسنجد إننا نحبّ أطفالنا كثيرًا وهم يحبّوننا كذلك، لكننا لا نقدّم لهم ما يقدّمه أهلنا الذين يقضون معهم وقتًا طويلاً دون الانشغال بالأعمال والواجبات المنزلية، ويصبرون على أخطائهم، ويضحكون ويلعبون ويغنّون معهم….
هذا جعلني أتعلّم من والدايّ، وأقدّم أعظم ما لديّ لأطفالي من الوقت والصبر واللعب… فهذا أفضل ما نقدّمه لهم.
اقرأ أيضاً: تدخلات الجد والجدة في تربية الأبناء