من أكثر أنواع الخلافات التي تحصل في البيت تقريبًا كلّ يوم دون ملل هي خلافات الإخوة بين بعضهم البعض، فهي تكون على شكل نزاعات مستمرة وعلى أقلّ الأسباب، وقد تكون لأسباب كبيرة. ولكن في الحقيقة ليس المهم في الأمر تلك النزاعات والخلافات بقدر ما هو مهم طريقة تعامل الأهل مع الأمر، لأن دور الأهل في ذلك هو الذي سيحدّد لاحقًا إن كانت تلك الخلافات فعلاً تستحق أن تستمر أو تنتهي.
مهما كانت خلافات الإخوة، فإن على الأهل عندما يتدخّلون للمساعدة أن يشكّلوا فريقا خاصاً وحدهم. والمقصود بذلك أن لا يتدخّل الآباء مباشرة، ويقفون مع الطفل الذي يبكي فقط لأنه يبكي، أو مع الطفل الأصغر لأنه صغير، ولا مع الطفل المريض بسبب مرضه، بل على الأهل أن يكونوا وكأنهم جهة أخرى بعيدًا عن الطرفين. هذه الطريقة تخفّف من المشكلة بما يعادل نصفها؛ لأن الأبناء سوف يشعرون أن والديهم لم يميّزوا طرفًا معيّنًا ضدّ الآخر، حتى يتم التفاهم معهم.
إن الأسباب التي بناء عليها يختلف الأبناء بعضهم مع بعض هي كثيرة، وقد تتجاوز العشرات من الأسباب. منها ما يكون لأسباب غير واقعية، ومنها ما قد يصل إلى حدّ الأذى بين الأبناء. لكن حتى يتمّ السيطرة على تلك النزاعات والتقليل منها قدر المستطاع، فإنه من الأفضل حلّها، ولكن ليس بالوقت نفسه الذي تحصل به، بل عن طريق طريقة تعامل الآباء مع الأبناء قبل أيّ شيء. لتلك الطريقة أكبر الأسباب التي تبني الغيرة بين الأبناء، وتعدّ الغيرة من أقوى الأسباب التي تجعل النزاعات بين الأبناء كبيرة.
يبدأ علاج الغيرة بطريقة تعامل الآباء مع الأبناء. عن طريق المساواة، وهنا ليس المقصود أن يحصل الجميع على ما يريد بالتساوي، بل هو طريقة التعامل بالتساوي حسب الحاجات. فإن كان أحد الأبناء يفضّل الجلوس والتحدّث عن ما يزعجه أمام الجميع، ولا يهتّم فلا تعني المساواة أن يطلب الأهل من الطفل الآخر التحدّث بالأسلوب نفسه؛ لأنه قد يشعر بالإحراج؛ لأن لديه شخصيّة تختلف في التعبير. فالمقصود هنا بالمساواة هو التعامل مع الأمر بالتساوي حسب الرغبات.
تعتبر مقارنة الأبناء بعضهم ببعض من أكثر الأمور التي يقوم بها الوالدان، والتي تثير الغيرة بين الأبناء، حتى لو لم يكن المقصود في ذلك زرع الغيرة. يشعر بها الأبناء من خلال الكلام الذي يستخدمه الوالدان في التحدّث. مثلاً: انظر إلى أخيك الذي قام بإنهاء واجباته في وقت أقلّ، لماذا لا تقوم بالشيء نفسه! أو قد حصل أخوك على علامات أعلى مع أنّه أصغر منك عمرًا وأقل فهمًا. تلك المقارنة تقتل الحبّ بين الإخوة وعليه، فإن الطفل لا يصبح يرى منافسة في الأمر بقدر ما يرى أنه يريد قتل تلك المقارنة، ويستخدم الخلافات والنزاع مع إخوته تعبيرًا منه عن غيرته.
إعطاء الفرصة للطفل خلال النزاعات والمشاجرات بين الإخوة للتعبير عن موقفه يخفّف كثيرًا من حدّة الأمور والمشاكل. فإن الطفل إن شعر أن هناك مَن يسمعه ليخفّف عنه غضبه من الأمر، فإن جزءًا كبيرًا من المشكلة يعتبر أنه قد انتهى. تكون هذه الفرصة عن طريق أن يمنح الوالدان فرصة للأبناء بعضهم مع بعض أن يتحدّثوا عن المشكلة وما حصل بينهم والتعبير عن ما أغضبهم من تلك المشكلة. قد يتفاجأ الأهل بأن الأبناء قاموا بحلّ تلك الأمور دون الحاجة إلى تدخّلهم. لكن إن لم يتمكّنوا فمن الضروري أن يتدخّل الأهل عندما تكون الأطراف كلّها جاهزة للاستماع. وأن يستمع الأهل للأطراف جميعهم بالتساوي، حتّى يتمكّنوا من معرفة تفاصيل الخلاف وحلّ الأمور دون توجيه الاتهّام بالخطأ للأطراف، حتى لو كان الخطأ واضحاً، بل التحدّث عن الخطأ نفسه ومعالجة الأمر عن طريق ترك الأبناء يطرحون الأفكار لحلّ الأمور.
هذه الطرق إن تمّ اتباعها بين الآباء والأبناء، فإنه حتمًا سوف تتم معالجة الأمور بأقلّ مجهود، وسيعتاد الأبناء تدريجيًا على حلّ الأمور دون القلق أن تتأزّم الأمور، ويتدخّل الأبناء.
اقرأ أيضاً: 7 خطوات للتعامل مع شجار أطفالك بدون صراخ