تربية الماضي وتربية اليوم
️من أكثر المواقف الصعبة والمثيرة للغضب التي تتعرّض لها الأمهات هذه الأيام هو إلغاء شرعيتهنّ بالشعور بالتعب من تجربة الأمومة.
فإذا عبّرت الأم عن إرهاقها وتعبها من التربية، أو من أن أطفالها قد أتعبوها، فإنها تبدأ بتلقي جملًا محبِطة، مثل: “أنا ربّيت١٠ أولاد، ودبّرت حالي، وطلعو كويسين ودكاترة ومهندسين ومتعلّمين، مع إني كنت مو متعلّمة وإنتي هلأ مو مدبّرة حالك بولد أو بولدين…” فمثل هذه الجمل تملؤنا نحن الأهالي بطاقة سلبية مقيتة تقودنا للشعور بالإحباط وعدم السيطرة على الأمور.فإن مقارنة جيلنا بجيل أهلنا وأجدادنا، أو مقارنة جيلنا كأهالي بجيل أبنائنا وبناتنا تعتبر مقارنة غير عادلة بتاتاً. فكُلّ منا عاش في زمن مختلف، ينفرد ويتميّز بتسهيلاته أو صعوباته وتحدّياته، وكلّ زمن يختلف بشكل جذري عما سبقة وما سيأتي بعده.
فأولاً:
مكوّنات التربية تبدّلت وتوسّعت، ففي الماضي كان المهم هو توفير الاحتياجات الأساسيه للأبناء كالمسكن والمأكل. و كان هناك نمط واحد للتربية وهو توجيه الأوامر للأطفال، وعلى الطفل أن يسمع وينفّذ دون نقاش. أما التربية السليمة اليوم هي التوجيه والإرشاد والاحتواء والحبّ والمراقبة والتوعية ومناقشة الآراء معاً والعمل على بناء جيل واثق بنفسه يختار طريقه بإرادته وقناعاته وليس خوفاً وقهراً ممن حوله.
ثانياً:
يعيش أبناؤنا اليوم في عالم مليء بالوفرة في كلّ المجالات، ففي الماضي كان التلفاز يعرِض رسوم كرتون في ساعة محدّدة وكل الأطفال كان عندهم هذا الوقت مقدس. لم يكن هناك مجال للتردّد أو اختيار وقت آخر للمشاهدة أو حتى شيء آخر ليشاهدوه.
أما تربية اليوم تنتقل الشاشات الإلكترونية معنا أينما ذهبنا فالموبايل موجود ليوفّّر ألعابًا وبرامج كرتونية وفيديوهات عديدة ومتنوعة أمام أطفالنا وفي كل مكان وزمان.
ثالثاً:
مفهوم الأمان أصبح واسعاً وفضفاضاً أكثر: سابقاً كانت الأم تعلم أن أطفالها في أمان إلى حدّ ما أمام التلفاز، فمعظم برامج الكرتون كانت تُنمّي في الأطفال قيماً معينة وكان الخطر حينها ينحصر في أشياء بسيطة، كأن نخرج للعب في الشارع مثلاً، أو نسقط من سطح بيتنا المرتفع.
أما تربية اليوم فالخطر يداهم أطفالنا حتى لو كانوا في حضننا نحن الأهل، فيكفي أن نجلس مع طفلنا لمدّة ربع ساعة أمام فيديوهات موقع يوتيوب مثلاً لنرى كمّ الأشياء والأفكار الغريبة التي يشاهدونها وتعرّضهم للخطر. لذلك أصبح توفير الأمان لطفل أو طفلين حتى داخل البيت الآمن يساوي أضعاف الجهود لتوفير الأمان لخمسة وستة أطفال في الماضي.
رابعاً:
المشاركة في التربية: في السابق كان المجتمع منغلقًا إلى حد ما وجماعياً يتشارك في الأعباء العائلية. كانت أعباء التربية تنقسم بين الأجداد والجدّات والآباء والأمهات والأخوة والأخوات والخالات والعمّات.
أما في عصرنا، فقد تحوّل المجتمع إلى مجتمع فردي يوجّه كامل صلاحيات التربية للأم والأب فقط فاقداً الثقة بالإطار العائلي الموسّع الذي كان في الماضي.
خامسا:
اقتصاديا: سابقا كان المهم توفير الحاجات الضرورية فقط، أما الآن فقد أصبح توفير الكماليات شيئًا أساسيًا ممّا جعل الآباء والأمهات يسعون جاهدين لتوفيرها كي لا يشعر أبناؤهم بأن ما ينقصهم متوفّر لغيرهم، فجيل الابن المتواضع الذي كان يطمح بخجل لحذاء إضافي تحوّل اليوم إلى جيل يطلب الآيباد والموبايل والألعاب، ومع توفّرها يستمر بطلب المزيد. هذا لا يعني أبداً أن هذا الجيل “مدلّل” بحسب إدعاء البعض من الجيل الكبير، لكن بكل بساطة، كلٌ عاش في زمن مختلف وواجه تحدّيات وعوامل خارجية مختلفة، فطرق التربية تغيّرت وحاجات الأطفال تغيّرت، كما أن متطلبات المجتمع كلّها تغيرت. وهذا بالطبع لا يعني أن القدماء هم الأصح أو الحالي هو الأصح، فالأصح هو الأخلاقيات والقيم التي يجب ألا نبدّلها مهما تبدّلت طرقنا في التربية.
اقرأ أيضاً: أصعب ما يواجه الوالدان في رحلة تربية الأبناء
GIPHY App Key not set. Please check settings