أهمية وجود الأجداد في حياة الأحفاد
قد يفكّر البعض بمجرد قراءة العنوان أننا سنتناول موضوعًا يعاني منه بعض الناس ألا وهو تدخلات الجد والجدة في تربية الأحفاد. ولكننا هنا سنكون على الجانب الآخر من وجود الجد والجدة ومدى أهميتهم في حياة كل طفل. ليس فقط لمجرد أنهم أفراد مهمون من أسرة ذلك الطفل، بل كونهم المنبع الكبير للحبّ والمودّة والاحتواء، وكأنهم المصدر الرئيسي لكل طاقة إيجابية تزرع الفرحة والابتسامة على وجوه الأطفال.
فهم المصدر الذي من خلاله يكتسب الطفل الخبرات والاهتمام من خلال معرفة تاريخ الأسرة والاطلاع على تفاصيلها بشكل عام. كما إنهم الجذور الأساسية لتلك الأسرة الصغيرة لذلك الطفل، والتي لا ننكر بأن كل أم تعتمد على والدتها في الحصول على النصائح للتعامل مع أطفالها. كذلك كل أب يعتمد على والده ولو بشكل جزئي في الحصول على الطرق السليمة التي من خلالها يتمكّن من تحقيق التوازن الطبيعي لأسرته، خصوصًا إن كان قد تمتع بها من قبل أي وهو طفل، ويعرف تمامًا كيف أثرت به عندما كبر.
لا نستطيع أن ننكر أن هناك العديد من الدراسات الاجتماعية التي تظهر أن الطفل الذي يتمتّع بعلاقة جيدة ومباشرة وعاطفية وعميقة مع أجداده هو طفل يستمتع بفوائد متنوعة مهمة جدًا في حياته وفي تربيته. فهو طفل لديه مهارات اجتماعية قوية مع غيره خارج المنزل، لأنه حصل عليها مسبقًا من أجداده داخل المنزل، أي أنه يكون شخصًا طيبًا يتعامل مع الناس بلطف وكرم وبكل احترام وحبّ.
الطفل الذي يحظى بوجود أجداده في سنين عمره الأولى بشكل خاصّ هو طفل غير عصبي، ولا يتوتر عند المواقف، ولا يشعر بالكآبة وخيبة الأمل عندما لا يحصل على ما يعجبه، لأنه اعتاد على أن هنالك حلّ لكلّ شيء بناءً على خبرات أجداده الذين عزّزوا ذلك فيه. هذا يؤثّر على الطفل بشكل إيجابي لاحقًا، ويقوّي أداءه في المدرسة وفي التعامل مع الآخرين، ويعزّز ثقته بنفسه، ويتعلّم من خلاله طريقة التحكّم بمشاعره مع الأصدقاء دون أن يتسبّب له بأي ضرر.
تبدأ العلاقة بالنمو بين الأحفاد والأجداد بشكل عفوي غير مخطط له، حيث إن حبّهم ودعمهم للطفل يكون مضاعفًا وبطريقة غير مباشرة لا يشعر به الأجداد لأنه يخرج من قلوبهم بكل صدق. يبدأ الأجداد بالتحدّث للأحفاد عن العائلة ونسبها وتاريخها وبعض المواقف التي يستطيع الطفل فهمها، حتى إنهم يستخدمون أبسط الكلمات للتعبير ليتمكّنوا من إيصال المعلومة. وهدفهم أن يتعلّم الأحفاد من تلك الكلمات العادات والتقاليد وينالون التعليم والتوجيه بشكل سهل، وبالتالي ينالوا المهارات التي تسهّل الحياة عليهم لاحقًا. الأمر الجيّد في ذلك أن الأجداد يسردون تلك الأمور على شكل قصص للأحفاد حتى يستطيع الطفل تذكّرها كما تعمل القصص التي يقرأونها لهم في الكتب قبل النوم.
يبعث وجود الأجداد في حياة الأحفاد فائدة روحانية، لأن الأجداد يقدّمون لهم كل أنواع الراحة وكذلك التشجيع حتى على أبسط الأمور. كما إنهم قادرون على تقديم المشورة من الناحية الروحانية والنفسية للطفل، ويذكرون مواقف مرّت معهم عن كل شيء يشاركه الطفل معهم، فيجعلون الأمر بسيطًا بالنسبة للطفل، وكأنهم يقولون له بطريقة غير مباشرة أن ما حصل معك هو أمر طبيعي وقد حصل معنا سابقًا وتجاوزناه بنفس الطريقة، وهذا ما يبعث الراحة النفسية للطفل.
إن حبّ الأجداد لأحفادهم هو حبّ غير مشروط، يشعر الطفل به دون أن يخبروه به. هم لا يقولون له مثلاً أن ما يفعلونه هو لأنهم يحبونه، لكن الطفل يكتشف ذلك بنفسه، مما يؤثر إيجابيًا على طباعه، وبالتالي تتشكّل شخصيته لتصبح مسؤولة وقادرة على التعبير عمّا بداخلها من خلال التصرّف وليس فقط بالكلام. هذا لا يمنع أن يقول الأجداد لأحفادهم “نحن نحبكم”، ولكنهم يقولون ذلك في أوقات عادية بعيدة عن أي موقف خاص، حتى لا يشعر الطفل أن كلمة الحب التي صدرت من أجداده هي فقط بمثابة تخدير للموقف كي يتقبل الطفل النصيحة والمشورة.
ولأن الأجداد لم يواكبوا عصر التكنولوجيا الحديث بكل جوانبه وهم أطفال، فقد كانوا أطفالًا تربّوا على أبسط طرق الترفيه والتعليم، والتي لا ننكر إنها كانت أفضل تربية نفسية صحّية سليمة. هم يتعاملون مع أحفادهم بتلك البساطة في الترفيه واللعب والتعليم. الأحفاد يجدونها طريقة جديدة وممتعة خصوصًا إن أغلبها ألعاب ترفيهية جماعية تساعد على زيادة الترابط الأسري، والتي من خلالها يكتشف الأهل والأحفاد مواهب وهوايات الاطفال خلال ذلك الوقت الثمين معهم بعيدًا عن الأجهزة التي تمنع الطفل من عمل أي شيء آخر. فمجرد أن تذكر الجدة أنها كانت تحب التطريز، تجد حفيدتها أتت إليها بالخيوط لتتعلّم منها، وإذا ذكر الجدّ شيئًا عن الحرف اليدوية لا يكتفي الحفيد بالاستماع بل يطلب من جدّه أن يكرّر الأمر أمامه ليرى بنفسه ويتعلّم منه.
الأسرة هي أهم شيء في حياة الأجداد، لذلك يستمر عمل الأجداد كما بدأوا من خلال تعزيز الروابط الأسرية، وتقوية العلاقات في العائلة الكبيرة، وتعريف الأحفاد على بعضهم البعض لبناء جيل يعتمد على الحب، لتشكيل سلوك شخصي صحيح بين أفراد الأسرة من خلال الاجتماعات العائلية التي تجتمع فيها كل الأسرة للتحدّث وزرع الاهتمام بأمور باقي العائلة، وليس فقط التركيز على الأمور الخاصة.
اقرأ أيضاً : انفصال الأهل وتأثيره على الأبناء
GIPHY App Key not set. Please check settings