لا ننكر جميعًا أنه مهما كانت درجات التفاهم والمحبّة بين الزوجين مرتفعة، إلا أنه من الطبيعي أن نجد في كل بيت الخلافات الزوجية ة مشاكل بين الزوجين سواء لأمور خاصة بينهما أو أمور تخصّ البيت والمصاريف وتربية الأبناء والعلاقات مع العائلات والعديد من الأسباب الأخرى التي نعتبرها ضمن الحد الطبيعي في الحياة الزوجية.
ولكن الأمر غير الطبيعي في ذلك هو أن تتم مناقشة تلك المشاكل أو المشاحنات بين الزوجين أمام أطفالهما ظنًا منهما أن الأطفال لا يفهمون شيئًا ولن يتسبّب ذلك لهم بأي شيء لهم لأنهم غير المقصودين في تلك المشاكل. لكن على العكس تمامًا فإن حدوث المشاكل والمناقشات مرتفعة الصوت أمام الأطفال تتسبّب بأضرار ولها آثار كبيرة على الأطفال بطريقة أو بأخرى، حتى لو لم يكونوا السبب الرئيسي في المشكلة. فإنه لمجرّد سماعهم تلك المناقشات بصوت مرتفع فإنهم سيتأثرون بها.
لأن الأبّ والأم هم مصدر الأمان بالنسبة للطفل، فإنهم سيفقدون كل مصادر الأمان أثناء سماعهم لتلك المشاجرات. ولا يقف ذلك حتى هذا الحدّ بل يمتدّ خارج البيت فلا يجد الطفل مَن يمكنه الثقة به لأنه فَقد المصدر الرئيسي للثقة. لذلك سنقوم بالتحدّث عن أهم الآثار التي يتعرّض لها الطفل نتيجة شجار والديه أمامه، وهي كالتالي:
- انعدام الشعور بالأمان العاطفي: إن النزاعات المستمرة بين الوالدين أمام أطفالهم تحدّ من شعور الطفل بالأمان والأمن والاستقرار العاطفي الذي اعتاد عليه نتيجة استقرار الأسرة. يأتي ذلك الشعور للطفل عندما يشهد شجارًا بين والديه فهو يعتقد أن ذلك الشجار سينتهي بانفصال الوالدين أو الطلاق أو تعرّض أحدهما أو كلاهما للأذى مما يؤدّي إلى الحرمان العاطفي للطفل. كثرة المشاكل في البيت وعدم الاستقرار يجعل الطفل يفقد حقّه تدريجيًا في أن يكون طفلًا ينعم بكل أمن ومحبة داخل أسرة خالية من المشاكل.
- تدهور العلاقات بين الوالدين والأطفال: مع استمرارية النقاشات والمشاجرات بين الوالدين أمام أطفالهم يشعر الأطفال بأن العلاقة مع والديهم تتدهور تدريجيًا، وهي لم تعد كالسابق، وأنها مجرد علاقة مشحونة بالقلق والتوتر. هذا يظهر بشكل خاص عندما يقف الطفل حائرًا بين أن يكون في صف والده أو في صف والدته، أو عندما يحاول إيقاف الشجار الذي غالبًا ينتهي بالصراخ عليه وضربه وتخويفه وتهديده. هذا يجعل الطفل يفقد دفء العائلة والأمان والرغبة بنمو علاقة جيدة مع والديه لأنها لم تكن صحيحة منذ أن بدأت المشاجرات أمامه.
- الضرر الصحّي والنفسي على الطفل: غالبًا ما يعتقد الوالدان أنه وبمجرّد أن المشاجرات لم تكن مباشَرة للطفل فإنها لن تتسبّب له بأي ضرر، إلا أنه على العكس من ذلك تمامًا، فالطفل عندما يسمع الصراخ لا يهتم ما إذا كان موجّها له أم لا بقدر ما يهتم بإيقافه لأنه خائف منه. كلما ازدادت المشاجرات بين الوالدين أمام الأطفال فإن شعور الأطفال بالخوف والقلق سوف يزداد، مما يؤدّي إلى حالات نفسية واكتئاب وأمراض عصبية تتعارض كلّيًا مع نمو الطفل بالطريقة الصحّية اللازمة فيؤثر بالتالي على التطوّر الصحّي الطبيعي للطفل.
- قلّة التحصيل الدراسي للطفل: تنخفض قدرات الطفل على التحصيل الدراسي في المدرسة والتحصيل المعرفي بشكل عام سواء في المدرسة أو في البيت أو بين الأصدقاء بشكل تدريجي، كما ويفقد الطفل رغبته في التطوّر. وذلك لأن المناخ الذي تعرّض له الطفل ونشأ فيه هو جوّ أسري مشحون بالمشاجرات والصراخ. هذا يؤثر على الاستقرار النفسي للطفل، وبالتالي يفكّر الطفل فقط في المشاكل بين والديه، ويشعر بالخوف من استمرارية تلك المشاكل. هذا يؤدّي إلى أن تقلّ قدرته على التركيز، ويصبح مشتّت الأفكار، وبالتالي يفقد الكثير من المعلومات التي تتحوّل تدريجيًا إلى تقصير دراسي علمي ومعرفي، مما يؤثّر على الطفل بشكل أولي.
- المشاكل الاجتماعية بين الطفل وغيره: نتيجة تعرّض الطفل لمعاينة المشاكل اليومية بين والديه، فإن رغبته بأن يكون عدوانيًا تزداد. كما ويحاول تفريغ طاقات غضبه من تصرّفات والديه عن طريق التهجّم على الآخرين سواء على إخوته في البيت أو على أصدقائه في المدرسة أو مع العائلة. وذلك لصعوبة تعامله بطريقة لطيفة، فهو يشعر بأنه يريد أن يسيطر على الغضب الذي بداخله عن طريق المشاكل التي يتسبّب بها لغيره، فهو عاجز عن أن يثق بأي شخص لأنه فقد الثقة من مصدرها الرئيسي بالنسبة له.
- الاضطرابات الصحّية وبالأخص الوزن: قد يُعتبر هذا غير حقيقي للبعض، إلا أن بعض الدراسات بيّنت إن إحدى أسباب السمنة المفرطة عند الأطفال هي مشاكل الوالدين. يلجأ الطفل لتناول الطعام وحده ويأكل أي شيء يراه أمامه سواء كان صحّيًا أو غير صحي، سواء لأنه جائع أو لأن والديه مشغولون بمشاكلهم وليس هناك من يهتم لتحضير الطعام له. في نفس الوقت عندما يأكل الطفل بشراهة كل ما يراه أمامه، فإنه قد يحدث العكس تمامًا حيث قد يفقد شهيته في الأكل وقد يعاني من أمراض جسدية.
لذلك من الضروري جدًا على الوالدين الانتباه جيدًا بإيجاد المكان المناسب لحلّ جميع المشاكل التي يتعرّضون لها، بعيدًا كل البعد عن الأطفال الذين لا يعلمون تمامًا مدى جدّية تلك المشاكل. قد يقوم الأهل بحلّ تلك المشاكل بعيدًا عن الأطفال، ولكن الطفل فقط يتذكّر الموقف الذي تعرّض له عندما يكون شاهدًا على مشاكل والديه مصدر ثقته وحبّه الوحيد.
اقرأ أيضاً: 6 آثار سلبية يسببها شجار الأهل أمام الأطفال
GIPHY App Key not set. Please check settings