تعتبر نظرة المجتمع للطفل نظرة معتمدة على تلبية احتياجاته اليومية من أكل وشرب وألعاب ومدارس جيّدة وجميع المستلزمات الأخرى التي يحتاجها. كل هذه الأمور هي فعلاً من الأمور الأساسية التي يحتاجها الطفل والتي تسهّل عليه العيش وتمنحه الثقة في الحصول على ما يريد، ولكنها لا تغطّي كل حاجات الطفل الشخصية التي تساعده على الانسجام الفردي والاجتماعي والتي هي بشكل مباشر شخصية الطفل وطريقة احترام الطفل لنفسه ولذاته نتيجة الاحترام الذي يتلقاه من غيره من أفراد المجتمع وخصوصًا من والديه.
فهل يحتاج الطفل إلى الاحترام؟ طبعًا يحتاج الطفل للاحترام بقدر حاجته للغذاء والعلم، لأن الاحترام هو بمنزلة غذاء الروح عند الطفل، ونقص الاحترام عند الطفل يسبّب ضعفًا في نمو شخصيته. لا يستطيع الطفل طلب الاحترام بشكل مباشر وملموس، ولكنّه يتوقّعه من خلال التصرّفات التي يقوم بها والداه معه. يستطيع أن يميّز الطفل إن كان هذا التعامل هو بكل احترام أم هو تصرّف لا يحتوي على الاحترام.
من طرق تقديم الاحترام للطفل والتي تجعله يشعر به بشكل مباشر ويلمسه بكلّ حب هو قبول الطفل ومحبّته. فالطفل الذي يشعر بأنه محبوب ومقبول بين الناس، يشعر بقيمته واحترام الغير له. يكون ذلك الاحترام مباشرًا حيث يقوم من خلاله الناس بمعاملته بطريقة تظهر الاحترام والقبول واللطف حيث يصغون له عندما يتكلّم مما يجعل الطفل يتحدّث بكل ثقة. كما ويشعر الطفل بالاحترام من غيره عندما يراعون حريته واهتماماته، فعندما يلعب الطفل بالمكّعبات ويأتي إليه الآخرون طالبين اللعب معه بالمكعّبات دون أن يطلبوا تغيير اللعبة بل يحترمون وقته ويشاركونه اللعب، فإن الطفل عندها يشعر بالاحترام لما يقوم به من قِبل الآخرين.
من أهم فوائد تقديم الاحترام للطفل هو شعور الطفل بالأمان، وشعوره أن له قيمة كبيرة، وأن ما يقوم به من تصرّفات هي أمور إيجابية يحترمه الآخرون لأجلها. فمن خلال هذا الموقف يتعلّم الطفل تقدير الآخرين، واحترام الأعمال التي يقومون بها ممّا يعزّز ذكاءه الاجتماعي في التعامل مع غيره، وعليه تقوى شخصية الطفل بحيث يتعامل بطريقة تعكس تربية الوالدين له. وعلى العكس تمامًا مع الطفل الذي يفتقد الاحترام، فهو يصبح طفلًا عبثيًا وفوضويًا ويلجأ إلى التصرّفات السلبية مع الآخرين انتقامًا من والديه ومن قلّة الاحترام الذي منحوه إياه، لذا فهم يلجأون للتخريب والإفساد أينما كانوا. كما ويتسبّب ذلك في هبوط المستوى التعليمي، حيث يفقد الطفل الاستعداد للتعلّم وبذل الوقت للدراسة، فيصبح غير مؤهّل أكاديميًا ويفشل في ذلك. كل هذه تؤثر سلبًا على الحالة النفسية للطفل وتوازنها، ممّا يجعل الطفل يلجأ إلى الانطواء والبقاء وحيدًا لعدم شعوره بأهميته مع الآخرين، فيصبح طفلًا عصبيًا يتهرّب من التجمّعات ويبدأ بالتفكير بما يعبّر فقط عن غضبه لما يدور حوله.
الطريقة المثالية لتقديم الاحترام للطفل هي الإصغاء له ولكل الكلمات التي يقولها، واحترام رأيه وأفكاره مهما كانت بسيطة. لأنه ولمجرد أن الطفل قادر على التفكير بشكل مستقل، وتكوينه رأي خاص به، وقدرته على إصدار الأحكام فإنه يبدأ بطرح تلك الأفكار كلّها على مَن هم حوله محاولاً إقناعهم بها، ومجرد قبول تلك الأفكار فهي بالنسبة للطفل احترام له ولأفكاره. قد يستخدم الطفل العواطف والمشاعر أثناء اللعب فقط محاولًا أن يخبر مَن حوله بأنه يحبّ تلك المشاعر، أو أن تلك المشاعر تسبّب له الإزعاج. لذلك فلا بدّ على الأهل أن يحترموا تلك العواطف لأنها تمثّل جزءًا من شخصية طفلهم. كما إن الاستماع للطفل حتى النهاية يعلّمه حسن الاستماع للآخرين واحترام رأيهم لأن الاستماع له يجعل الأمر أسهل على الوالدين لفهم رغبات طفلهم وحاجاته.
ولأن الأطفال يشكّلون القسم الأكبر في هذا المجتمع فلا بد لنا أن نعمل على توفير كل ما يلزم لشخصيتهم والتي يتعاملون بها معنا بنفس الطريقة. فكلّما استمعنا لهم أكثر ووفّرنا الوقت الكافي لهم فإن الأطفال يحترمون ذلك الوقت ويستغّلونه بالطريقة السليمة. وقد يصبح الاحترام والتفاهم مع مرور الوقت جزءًا لا يتجزأ من تربية الطفل، وخيار يسهّل التعامل معه، وبالتالي يمكننا أن نتجنّب كل نزاع قد نواجهه في رحلة التربية.
ومن الأمور الإيجابية لتلك المحبة والاحترام هو أنه ينشأ جيل صاحب شخصية قوية مبنية على الاحترام بشكل أساسي، أي أطفال يستمعون لغيرهم دون انقطاع ويحترمون كلامهم وهم صادقون في تعاملهم مع الجميع ويتجنّبوا الكذب مهما كان الأمر. كما وإنهم أطفال لطيفون يستخدمون عبارات الشكر والترحيب ويقومون بالاعتذار عند الخطأ ويحبّون تقديم المساعدة للجميع لأنهم متصالحون مع أنفسهم ولديهم ثقة كبيرة بالنفس نتيجة ثقة الوالدين بهم واحترامهم لهم ولأفكارهم كذلك.
لا ننكر أن الاستقرار الأسري بين الوالدين واحترامهم لبعضهم البعض والتعامل بكل لطف هو بمثابة احترام الطفل الذي ينشأ بينهما، فهو يشعر أنه في المكان الذي يحصل فيه على كل الاحترام والتقدير. وبالتالي يكون احترام الآخرين واحترام شخصياتهم أمرًا سهلًا عليه لأنه نشأ على مثل هذا النوع من الاحترام والتقدير. لذلك فإن احترام الطفل منذ البداية لا يقف فقط عند مرحلة معينة من مراحل نموه، بل هو ما يحتاجه كل طفل في كل مرحلة يمر بها.
اقرأ أيضاً: احذري هذه الكلمات لأنها تؤذي طفلك
GIPHY App Key not set. Please check settings