قد لا يكون التفرقة بين الأبناء أمرًا مقصودًا من الوالدين، وقد يكون بسبب أن هناك طفل مريض يشعر الوالدان بضرورة الاهتمام به بشكل مختلف، وقد يكون أكبر الأبناء والوالدان فخوران به جدًا وبنمّوه وذكائه، وقد يكون الاهتمام بأصغر الأبناء فقط لأنه أصغرهم ويتعامل معه الوالدان أنه الأخير في العائلة ويرغبون بالاستماع له لأنه لا يزال صغيرًا، وقد يكون الطفل الذكر الوحيد في العائلة ويأخذ كل الاهتمام من والديه فقط لأنه الذكر الوحيد، وقد يكون العكس تمامًا أي تكون طفلة وحيدة بين إخوة ذكور والتي تنال كل الاهتمام والحب لأنها تجلب السعادة بلطفها وطريقة كلامها وغيرها.
قد تتعدّد الأسباب التي تجعل الوالدان وبطريقة غير مباشرة يفرّقون بين الأبناء دون أن يكون قصدهم إيذاء الأبناء الآخرين، إلا أنهم يجهلون ما قد تتسبّب به تلك التفرقة من مشاكل بين الأبناء، وكذلك تعرّض الطفل المفضّل من قبل الوالدين للظلم من إخوته. كل هذه الأسباب حتى وإن لم تكن مباشرة إلا أنها تتسبّب في نمو اضطرابات سلوكية قد تمتدّ خارج نطاق الأسرة عندما يتعرّض الطفل المفضّل للعنف من إخوته في البيت ويكون غير قادر على الدفاع عن نفسه، فيعبّر عن تلك المشاعر خارج المنزل في المدرسة أو بين الأصدقاء فقط لأنه يريد أن يفرّغ ما يشعر به ولعجزه عن الدفاع عن نفسه.
هناك عدّة أنواع للتفرقة وتكون حسب ما يراه الوالدان فهناك:
- تفرقة مادية: حيث يعطي الوالدان هذا الطفل المميّز مصروفًا يختلف عن باقي الإخوة معتقدين أن ذلك سيشعره بالسعادة وبأهميته ولا يدركون أن إخوته يشعرون بالظلم وبرغبتهم للانتقام.
- تفرقة عاطفية: حيث تنصب كل مشاعر الوالدين تجاه ذلك الطفل المفضّل حتى لا يشعر بأي نقص، خصوصًا إن كان طفل ذو حالة خاصة سواء مرضية أو نفسية، فهذا التعاطف الزائد من الأهل لا يدركه الأبناء الآخرون فكل ما يرونه أن هناك طفل مفضّل عنهم.
تتسبّب تلك الأنواع بتحوّل الأطفال الآخرين إلى شخصيات مختلفة، حيث عندما يرى الطفل أن أخاه يحصل على مال أكثر منه وبشكل يومي، فهذا سيدفعه للسرقة حتى يحصل على المال ويصبح كالطفل المفضّل. وكذلك عندما يشعر بأن كل الحب والتعاطف والمشاعر تتجّه نحو الطفل المفضل، فسوف يبدأ بالبحث عنها خارج المنزل وقد يختار أشخاصًا غير مناسبين للبحث عن ذلك الحب والتعاطف، وقد يتعرّض بكل سهولة للاستغلال بسبب ضعفه وحاجته الماسة إلى نوع آخر من المشاعر لم يجدها داخل منزله ومن والديه، ليس ذلك فقط بل هو يرى أنها موجوده وأن والديه قادران على إعطائها ولكنهم يعطوها كلها لطفلهم المفضّل.
اقرأ أيضاً: علاج الغيرة عند الأطفال في 10 طرق
ونظرًا لأهمية عدم التفرقة بين الأبناء ومحاولات الحدّ منها قدر المستطاع فقد أقيمت بعض الأبحاث والدراسات على أدمغة الأطفال من خلال التصوير الإشعاعي المباشر للطفل أثناء التحدّث عن الأمر، حيث تم اكتشاف حركات في الدماغ تختلف بين الطفل العادي والطفل المفضّل. فمثلًا الطفل الذي يشعر بتفضيل والديه لغيره عنه تظهر حركات وإشارات تدلّ على حزن وغضب في مناطق معينة في الدماغ، بالمقابل الطفل المفضّل قد يكون لديه نوعان من الحركات والإشارات منها تدل على السعادة كونه المفضّل والذي يحصل على ما يريد بطريقة مختلفة عن غيره، ومنها إشارات وحركات حزينة رغم أنه المفضّل وذلك لأنه يشعر بنفور إخوته منه وهو يرغب أن تكون علاقته معهم مختلفة، وما يحدث هو أمر ليس ما يرغبه بل ما يقوم به والداه ولا يمكنه السيطرة عليه.
من أهم مخاطر التفرقة والتفضيل بين الأبناء هو بناء فجوة بينهم، فبدلاً من أن يساهم الوالدان في بناء علاقة قوية بين الأبناء تجدهم يبنون حائطًا كبيرًا ويتسبّبون في فجوة كبيرة، حيث يشعر الطفل المفضّل وبالرغم من أنه مفضّل لوالديه أو لأحدهم بالاضطهاد كونه غير مرغوب به بين إخوته. هذا يؤدي إلى مشاكل نفسية وعاطفية له ولإخوته لأنه لا يمكنهم الوصول للعلاقة الأخوية الجميلة في المنزل، بسبب خطأ ارتكبه الوالدان أو أحدهما.
لا يكتفي بعض الأهل بالتفرقة داخل المنزل بل تمتدّ تلك المشاعر إلى دائرة الأسرة الممتدة، فيدور الحديث أمام الجميع عن الطفل المفضّل، كما ولا يتردّد الأهل بالإجابة عن سؤال الآخرين من هو طفلكم المفضّل فيجيبون وبصوت عالٍ دون إدراك خطورة ذلك الأمر. هذا يتسبّب بفقدان التوازن العاطفي بين الطفل ونفسه بالدرجة الأولى، وبين الطفل والطفل المفضّل بالدرجة الثانية، وبين الطفل ووالديه أو أحدهما بالدرجة الثالثة، وبين الطفل وبين غيره من خارج نطاق المنزل بالدرجة الرابعة. كل هذه الأمور لا تعمل إلا على بناء المشاعر السلبية والتي تتحوّل تدريجيًا لما تؤدّي إلى الانتقام وكذلك إلى مشاكل نفسية وقلق وعدم القدرة على التركيز في المدرسة، ومنهم من يعانون من التبول اللاإرادي والتحدّث بغضب أثناء النوم والعديد العديد من السلوكيات التي تؤذي الطفل بكل الطرق.
اقرأ ايضاً: المقارنة… أشد السموم في التربية
GIPHY App Key not set. Please check settings