in , , , , ,

دور الآباء في مساعدة أبنائهم في مواجهة الصدمات

بقلم: د. عبير وديع الفار
اخصائية إرشاد نفسي
دكتوراه في الارشاد النفسي التربوي

يرعى الآباء أبناءهم في مختلف الظروف والحالات والمواقف التي تمرّ بها الأسرة. وإن ظروف الحياة المختلفة والمتنوعة تجعل مهمة الآباء معقدة أحيانًا، وتتطلب الكثير من الجهد والطاقة في إدارة الأسرة ودعم الأبناء فيما يواجهون. وقد يكون أصعب هذه الظروف التعرّض لأحداث كارثية صادمة ومعايشة الأحداث الفاجعة، خصوصًا إذا كانت شديدة وطالت أفراد الأسرة جميعًا.

في الحالات التي تتعرّض فيها العائلة لظروف كارثية وصادمة شديدة سيكون على الوالدين إعادة تنظيم الكثير من الأمور المحيطة بهم، واتخاذ قرارات متنوعة وإجراء تغييرات على مستوى الجوانب الصحّية والعملية والمادية والاجتماعية. وستفرض هذه الظروف تغيرات وتحدّيات متعدّدة، الأمر الذي قد يجعل الآباء في غفلة عن الاهتمام بالأبناء وما يواجهونه في هذا الظرف من صعوبات وعوائق في تلبية الاحتياجات الجسدية والنفسية الأساسية للأبناء.

بالإضافة إلى أن هناك الكثير من الأفكار الشائعة حول التعامل مع ما يواجهه الأطفال من صدمات أو فقد، كالقول بأن الأطفال ينسون سريعًا ويميلون للمرح واللهو. وكذلكّ الاعتقاد بأن علينا تجنب فتح مواضيع الحزن والأسى أمامهم، وأنهم يتغلّبون على صدماتهم سريعًا فهم لا يختبرون الأسى والتفجّع كالكبار، خصوصّا أن ردود أفعال الأطفال للصدمات تتصّف بالتغير السريع. فقد يبدو الطفل في حالة من التأثر الشديد بالوضع الذي مرّ به، ثم ينتقل سريعًا إلى حالة من اللهو واللعب. كما تتفاوت الاستجابات التي يبديها الأطفال للصدمات بين الحزن والأسى والضحك والمزاح والمشاكسة والعدوان. وفي الواقع فإن كل الأفكار السابقة مغلوطة، فالأبناء يختبرون الألم ويتأثّرون بالفقد، حتى في حال عدم القدرة على التعبير اللفظي، أو عدم الميل للتعبير عن معاناتهم، فإن هذا لا يعني أنهم قد تخلّصوا من أثر الصدمة أو أنهم لا يحتاجون إلى الدعم والمتابعة.

يتفاوت الأثر الذي تتركه الأحداث الصادمة على الطفل، فبعض الأطفال يستعيدون عافيتهم سريعًا، والبعض الآخر يستمر بإظهار الأعراض لفترات أطول. على الرغم من أن مثل هذه الأحداث قد لا تتكرّر كثيرًا، إلا أنها تحمل آثارًا فادحة على الأبناء تحتّم ضرورة نشر الوعي والثقافة والمعلومات حولها حتى يصبح الآباء أكثر وعيًا بما تترك الصدمات من آثار، وكيف يستجيب لها الأبناء في مراحلهم العمرية المختلفة، وما هي الإجراءات والوسائل التي يمكن للآباء اللجوء إليها لتقليل الأضرار المتوقّعة وتطوير مهاراتهم لمساعدة الأبناء على تخطّي هذه الصعوبات بأقل الأضرار.

يلعب الوالدان دورًا أساسيًا في حماية الأبناء من تطوّر الأعراض التي تظهر بعد الصدمات والتي قد تتحوّل إلى ما يُسمّى “اضطراب قلق ما بعد الصدمة”. فمن المقلق أن نعلم أن الأعراض التي يظهرها الأبناء بعد مرورهم بحادثة صادمة، قد تتحوّل فيما نسبته 25% من الحالات إلى “اضطراب قلق ما بعد الصدمة”. وهذا الاضطراب النفسي يبدأ بعد حوالي مرور شهر على الحدث الصادم، ويترك آثارًا بالغة في حياة الطفل، ويعيق نموه السليم كما يعيق الحياة الطبيعية لديه. وقد يستمر لسنوات عديدة تاركاً آثارًا شديدة مدمرة على حياة الأفراد.

كيف تظهر آثار الصدمات عند الأبناء

الصدمة هي استجابة انفعالية للتعرّض لحدث صعب مهدّد، أو مسبّب لخطر جسدي أو نفسي بالغ للفرد نفسه، أو للآخرين القريبين منه. وهي قد تكون نتاج عمل بشري او كوارث طبيعية أو أمراض.

يمر الفرد على الأغلب بحالة من الخدران ويجد صعوبة في تصديق الأحداث، ثم يبدأ بتقبل الحقيقة، وتطفو مشاعر الحزن ومظاهر الصدمات على السطح لفترة من الزمن ويتوقع أن تقل تدريجيًا. إلا أنه هناك حالات تبدأ فيها الأعراض وتستمر وتتزايد إلى حد يعيق حياة الفرد الطبيعية. أو تبدأ متأخرة كما في اضطراب قلق ما بعد الصدمة.

الأعراض

هنالك فروق فردية كبيرة بين الأبناء في الأعراض التي تتركها الصدمات والخبرات الفاجعة عليهم، وهي تختلف باختلاف العمر إلا أنه يمكننا أن نجملها بما يلي:

  • عاطفية: مثل الخوف، الغضب والعدوان، الحزن، الوهن واللامبالاة، تدني تقدير الذات، الشعور بالذنب وتحمل المسؤولية لبعض جوانب الأحداث التي مروا بها، معتقدين أن لهم دور في حدوثها.
  • ذهنية فكرية: صعوبة التركيز والتعلم والتذكّر واتخاذ القرار، التشويش الفكري، الإنكار، الهلوسات، أفكار الموت والأفكار الانتحارية.
  • جسدية: التلعثم ، قلة الكلام أو حتى رفض الكلام، زيادة أو قلة الأكل، أعراض نفسجسدية كالصداع والآم المعدة والحساسية وضيق التنفس، التعب الشديد، فقد الطاقة، النعاس وقلة النوم والأرق، تيقظ الحواس، التوتروالهيجان.
  • سلوكية: عودة الأطفال إلى سلوك مصّ الأصبع والتبول اللاإرادي. الانسحاب، الصراخ أثناء النوم نتيجة الأحلام المزعجة والكوابيس، كثرة الشجار والغضب والانفعال والعدوان، الصراخ، نوبات الغضب، البكاء، والارتجاف والاهتزاز. سرعة الاستثارة والميل إلى سلوك المخاطرة، صعوبة الاستقرار في مكان واحد. قد يلجأ المراهق للتدخين أو الكحول.

دور الآباء في مساعدة أبنائهم في مواجهة الصدمات

سأصنّف المساعدات التي يقدّمها الوالد للقيام بدوره ضمن تصنيفين: الأول يتعلّق بالراشد نفسه والآخر يتعلّق بالأبناء.

أولاً: مساعدة الراشدين لأنفسهم

1-  مواجهة المعيقات الشخصية

يتأثر الراشدون ببعض العوامل التي تعيق تقديم العون للأبناء منها:

  • صعوبات شخصية في التكيف مع الصدمة والمشاعر السلبية الغامرة التي تكتنفهم.
  • كثرة المشاغل والأشخاص الذي يهتم بهم الراشد وصعوبة ترتيب الأولويات.
  • افتقارهم للمهارات وإحساسهم بأنهم غير قادرين أو مؤهلين للتعامل مع هذه الأوضاع.
  • مخاوفهم من التصرّف على نحو يضرّ بالطفل بدل مساعدته، والحاجة للرجوع إلى مختّصين.
  • الاعتقاد بأن الأبناء لا يحتاجون للدعم لأنهم غير واعين لما يحدث حولهم.

وهذا يتطلّب من الآباء أو الراشدين المسؤولين عن رعاية الأبناء تنظيم حياتهم، والاحتفاظ بوقت لرعاية أنفسهم جسديًا وذهنيًا ونفسيًا واستعادة طاقتهم باستمرار. فيساعدهم ذلك في الوعي بذواتهم وأفكارهم، وشحذ همتهم لتقبل مسؤوليتهم وزيادة معارفهم، والتعاون وتبادل الأدوار ليتمكّنوا من تأدية المطلوب في دعم الأبناء.

2- تشكيل النموذج

يشكّل الوالدان أو الراشد الذي يرعى الابناء نموذجًا حيًا في سلوكه ومواقفه لأبنائه. حتى المراهقين الذين قد يظهرون رفضًا لتدخّل الكبار في حياتهم اليومية يلتفتون للراشدين بحثًا عن أفكار وسلوكيات يتبنوها في المواقف الصعبة والضاغطة. لذلك من الضروري تقديم نموذج والدي ملائم في إدراك الأمور، ومعالجتها، وثم التصرّف على أفضل نحو.

أفضل ما يقدَّم للأولاد هنا هو إظهار الهدوء والتقبّل والاحترام للخبرات والمشاعر والإدراكات، عند الشخص نفسه وعند الآخرين. كما أن تعاون الراشدين فيما بينهم في معالجة الأمور باسترخاء وصبر واحتمال المجهول، بعيدًا عن الخلافات والتشنّج يعتبر نموذجًا إيجابيًا يدعم تحسّن الأبناء، واستعادة عافيتهم وتكيّفهم، وممارسة وظائفهم الحياتية.

3- تثقيف الذات

يحتاج الآباء لاكتساب المعرفة حول آثار الصدمات على الأبناء حتى يفهموا سلوكهم ويتقبّلوه، ويتمكّنوا من الاستجابة لهذه السلوكات دون استياء وإحباط أو شعور بالذنب.

يتألم الأبناء ويتفجّعون على اختلاف أعمارهم لما مرّوا به من صدمات وأحداث فاجعة. وعلى الوالدين تثقيف النفس لمعرفة وتفهّم سلوك الولد حسب عمره، ليساعدهم ذلك عند الاستجابه له فمثلاً:

  • الاطفال حتى 5 سنوات – يظهر عندهم الكثير من النكد والمشاكسة، الجفلان، نوبات الغضب والبكاء، التشبث بالكبير، يصبح نشاطهم أعلى أو أدنى بكثير من أقرانهم، يكرّرون الحدث الصادم أثناء اللعب.
  • الأطفال بين 6 – 12– صعوبة التركيز، الهدوء والانسحاب، الحديث عن المشاعر المخيفة، صعوبة الانتقال من نشاط إلى آخر، الخصام مع الزملاء، تدني التحصيل، تغير في كمية الأكل، صداع ووجع معدة بلا سبب، العودة لسلوكات مثل مص الإبهام، التبول اللإرادي، والخوف من العتمة.
  • المراهقون – لهم خصوصية لأنهم يمرون في مرحلة نمائية تحمل الكثير من التغيرات. يتاثر سلوكهم واستجابتهم للموقف بحاجتهم للاستقلال، والأصدقاء، والشعور بالخصوصية، وبأهمية دورهم في المجموعة. ومن أعراضهم الحديث عن الحادثة أو إنكار حدوثها، رفض الأوامر أو معاكسة المحدث، التعب وقلة أو زيادة النوم والكواببيس، سلوكات المجازفة الخطرة، الكحول والتدخين، الشجار، الانقطاع عن الرفاق.

كما سيكون من المفيد معرفة بعض المهارات لمساعدة الولد كمهارات الاسترخاء، والتفكير الإيجابي ونشاطات التعبير عن الذات.

ثانيًا: مساعدة الأبناء

  1. تواجد الوالدين مع الأسرة قدر الإمكان نفسيًا وجسديًا، والقيام بالنشاطات الممكنه مهما كانت بسيطة لتشتيت فكر الولد عن الحدث الصادم وما يحيط به من مشاعر، وتحديد وقت يومي للاجتماع حتى يتمكّن الأبناء من التفاعل براحة وطرح ما يحملون من أفكار ومخاوف. كذلك إفساح المجال لكل طفل في أخذ الوقت الكافي، مع ترك فسحة من الانفراد للابن عندما يميل لذلك.
  2. محاولة وضع روتين يومي يُشعِر الابن بالأمان وبأنه مسيطر على مسار يومه، وتشجيع الطفل على صنع قرارات ملائمه لعمره. تزداد أهمية صنع القرارات وتحمّل المسؤولية عند المراهق على أن تكون متوافقة مع اهتماماته وميله للعمل، حتى يؤدّيه بدافعية عالية.
  3. تشجيع الطفل على تأدية واجباته المعتاده، وإظهار الصبر إذا أظهر ترددًا أو تراجعًا، وتشجيعه حتى يحقق خبرات إيجابية تساعد على تنمية تقديره الإيجابي لذاته.
  4. الثبات في السلوك حتى يكون الابن قادرًا على توقع سلوكك وردود أفعالك.
  5. يبحث الأطفال عادة في اختبارهم للصدمات عن تفاسير وأسباب ومعلومات، لذلك من المهم تزويدهم بتفسيرات واضحة مختصرة صادقة ملائمه لأعمارهم.
  6. الإصغاء: يحمل الأطفال مفاهيم وأفكار متنوعة حول الأحداث المحيطة بهم، ولديهم تفسيرات مرتبطة بهم شخصيًا، وبمشاعر الآخرين نحوهم. وهي قد تكون غير واقعية أو مبالغ فيها وتسبّب لهم الألم والخوف. كالاعتقاد بأن لهم دورًا في حدوث الفجيعة وأنهم ملامون لوقوعها أو لعدم إيقافها عن الحدوث. لن يتم معرفة ذلك إلا من خلال الإصغاء الواعي للأطفال. فعلى الآباء أن يطوروا القدرة والدافعية في أنفسهم ليساعدوا أطفالهم في التعبير، وإتاحة الفرصة لمناقشة ما يطرحه الابن والتعامل معه و تصويبه. قد يكون هناك أمور صغيرة لا تبدو مهمة، إلا أنها تعني الكثير للأبناء. إن الإصغاء لهم سيطمئنهم ويؤكّد لهم استمرارية الحياة بوجود من يرعاهم، ويعيد إحساسهم بالأمان.
  7. مساعدة الأطفال من خلال التنويع في طرق التعبير كالحديث، والرسم، واللعب. ويمكن توجيه الطفل في التعبير عن أمور مختلفة تتعلق بالعائلة، والوالدين، والذات، والأحداث، والمسكن، والأحلام، والأفكار، والتخيلات.
  8. الوعي بمحفّزات الاستجابات التي تستثير أعراض الصدمة عند الولد وتعليمه مهارة الاسترخاء في مواجهتها.
  9. إيجاد طرق لتذكّر الأمور الجميلة السابقة والاحتفاظ بهذه الذكريات، لما لها من أثر في تحسين مزاج الأبناء وإحساسهم بجذورهم.
  10. يمكن تكوين فرق من الآباء الذين يمتلكون المعرفة والإمكانيات للتعامل مع الأبناء بشكل مباشر، وتوعية الأهالي ومساعدتهم في التعامل مع الصدمات. يؤمَل منهم تنظيم التجمّعات والنشاطات لإفادة الأسر والأبناء.
  11. تحويل الأبناء إلى الجهات المختّصة لتقديم العلاج في حال الحاجة لذلك.

What do you think?

اترك تعليقاً

GIPHY App Key not set. Please check settings

ماذا أفعل بالمقتنيات التي لا أستخدمها؟

ماذا أفعل بالمقتنيات التي لا أستخدمها؟

أهمية الطب الوقائي والوقاية من الأمراض

أهمية الطب الوقائي والوقاية من الأمراض