هذا المقال موجّه لكل أم وأب في صراع دائم مع أطفالهم حول مسألة تربية الحيوانات الأليفة في البيت. فعلى الرغم من أنه عليّ أن أكون محايدًا عند تقديمي هذه الفكرة، لكني لن أخفي تحيّزي لتربية الحيوانات وتأثيرها الإيجابي ليس فقط على أبنائنا لكن على عائلتنا كلّها. أنا دائم الاحتكاك ببالغين لديهم خوف من شتّى أنواح الكائنات التي تمشي على أربعة أرجل – لن أتطرّق لما يمشي على رجلين أو ستة أرجل أو حتى ما يزحف على الأرض. أرى أن الكثير من الآباء والأمهات لا يمكنهم التغلّب على خوفهم الطبيعي أو المرضي (فوبيا) من القطط والكلاب، مما يؤدي إلى رفض فكرة تربية الحيوانات الأليفة ككل تحت غطاء العديد من الأسباب التي تبدو مقنعة في بعض الأحيان لأبنائهم، وفي أحيان أخرى غير مقنعة بالمرّة وتعسّفية.
لديّ خبرة كبيرة في تربية القطط، ويمكنني أن أشهد أن في مجمل الأربعة والثلاثين عامًا من عمري عشت بدون أن أربّي قططًا عشر أو ربما تسع سنين فقط. وأنا بهذه الخبرة لا أنادي بالتأثير الإيجابي لذلك فحسب، لكنني رأيت بعيني قصص تحوّل لأشخاص أعرفهم معرفة شخصية، تحوّل من عدائية شديدة وتقزّز من القطط والكلاب إلى محبة غامرة لهم وإدراك أن الحياة بدونهم لا تستقيم.
فإذا كنت في صراع داخلي وتساؤل إن كان التحوّل ممكنًا، فأنا هنا بتجربتي أشهد أن التحوّل ممكن.
لكن كيف؟ هذا ما سأحاول طرحه في النقاط القادمة.
الاتفاق الواعي
لا يمكن أن نبدأ كعائلة في أخذ خطوات جادّة في تربية الحيوانات الأليفة في البيت بدون اتفاق واعٍ بين أفراد العائلة.
هذا يعني أنه لا يمكننا أخذ قرار مثل ذلك بدون أن يفهم أطفالنا مبدأ الاتفاق. هذا الاتفاق يجب أن يكون واعيًا، لكن في هذه النقطة لا يمكننا أن ننتظر حتى يفهم أطفالنا معنى الاتفاقات والقرارات الواعية طويلة الأمد، لذا فالوعي هو مسؤوليتنا نحن كآباء وأمهات.
كنت محظوظًا أن أعيش في بيت لوالدين بينهما اتفاق واعٍ وحبّ للحيوانات، لم يكن أبي يشارك أمي نفس الحبّ لكنه رأى تأثير ذلك علينا، ومع الوقت أحبّ قططنا وهذا الحبّ انعكس علينا أيضًا. لم نشارك في إطعام القطط والعناية بنظافتهم إلا في مرحلة متقدّمة، فبسبب محبّة أمي الشديدة للقطط، كان ثقل القرار يقع عليها بالكامل بجانب دعم أبي لها، مما أثمر بمحبة واعية من جميع أفراد عائلتنا للقطط وعمر مديد للقطط استمر لواحد وعشرين عامًا.
من الملحوظ أن هذه التجربة ليس من السهل تكرارها، لكن دائمًا ما يحكم الأمر الاتفاق الواعي. السؤال الأهم هو مَن وكيف سنتحمّل تبعات القرار.
الأمر ليس كشراء لعبة جديدة لأطفالنا سينشغلوا بها في مرحلة معينة ثم يضجروا منها فنتخلّى عنها. وفي نفس الوقت الأمر لن يطول لنهاية العمر فلأغلب الحيوانات عمر افتراضي أقل من عمرنا كبشر.
قد سمعت عن شخص ما اتفق مع أبنائه أن يجلب لهم كلبًا بشرط أن يقوموا هم بالعناية بأكله ونظافته. أعجبني توجّهه جدًا وتخيّلت كيف سيساعد ذلك في تكوين شخصية أبنائه، لكني حزنت عندما عرفت أنه قام بالتخلّي عن الكلب عندما لم يقدر أن يشارك أبناؤه نفس الحماس في تربية الكلب. فالأمر ليس مجرّد أكل ونظافة، بل للموضوع أبعاده الصعبة.
اقرأ ايضاً: 5 قوانين منزلية مهمة وضعناها أنا وزوجي لأطفالنا
كن واقعيًا، للتجربة أبعادها الصعبة
عندما كنّا نتناقش أنا وزوجتي في قرار تربية القطط كان تخوّفي الوحيد وما أقوله لها هو هل سيمكننا تحمّل محدودية تنقلاتنا؟ فعندما تربي حيوانًا ما ستصبح المسؤول الأول عن جودة حياته، وهذا سيحدّد تحرّكاتك وأسفارك وربما نزولك من البيت. ليست كل الأماكن في بلادنا مجهّزة لاستقبال الحيوانات، وليست كل الحيوانات لديها القدرة على التنقل، فالقطط على سبيل المثال لا تحبّ التنقل.
كلما قرّرنا السفر كان علينا التأكّد أن هناك مِن سيعتنى بالقطط في غيابنا. كل حيوان يحتم شكل معين للحياة وعلينا كعائلة تقبّل ذلك وتقّبل بعض الأشياء الصعبة أيضًا مثل تلف بعض ممتلاكنا، أو ربما رائحة فضلاتهم، وفي أوقات كثيرة جروح مقصودة وغير مقصودة. أصعب ما يجب تحمّله هو ضعف هذه الكائنات واعتمادها الكلي علينا، هذا الضعف الذي قد يظهر في شكل أمراض متعدّدة علينا أن نقيهم منها وحوادث مأساوية قد تودي بحياتهم.
قرار سيغيّر حياة عائلتك
على الرغم من الأبعاد الصعبة السابق ذكرها إلى أن هذا القرارسيغيّر حياة أبنائك وحياة عائلتك بالتالي.
تثبت الأبحاث أن تربية الحيوانات لها تأثير جيّد على صحّة الأطفال، فهي تقلّل من نسب تعرّضهم لأمراض الحساسية وتؤثر على معدل ضعط الدم، وفي العموم الأطفال الذي لديهم حيوانات في البيت تكون زياراتهم للأطباء أقل. (Meyer, n.d.)
لكن في الحقيقة ليس علينا دائمًا أن نقتنع أن أمر ما جيّد أم سيء هو بسبب تأثيره على صحّتنا الجسدية فقط.
تربية الحيوانات -وأقول هذا من خبرتي الشخصية وما أراه في ابنتي الآن- ستجعل أبناءك:
- لديهم الكثير من العطف والحساسية تجاه كل ما هو أضعف منهم لأن هذا في أساس طبيعة علاقتهم بالحيوانات.
- لديهم فهم أعمق لمعنى المسؤولية عندما نتفّق معهم على أداء دور معيّن في حياة الحيوان، أي دور يمكنهم أداءه بشكل منتظم.
- لديهم قدرة على مواجهة المواقف الصعبة فقد تُصاب قطّتهم أو كلبهم بمرض ما فسيتعلّموا من ذلك كيفية التصرّف في هذه الأزمة.
- لديهم القدرة على تقديم المحبة غير المشروطة لأن الحيوانات لا تقدّم أي شيء لهم في المقابل “خصوصًا القطط”.
- لديهم تاريخ من القصص العائلية والذكريات المقترنة بهذا الحيوان التي تغني خيالهم ومشاعرهم.
لذا عندما يطلب طفلك أن يربّي حيوانًا عليك بهذه الخطوات:
1- اسأل نفسك هل هو في سن يسمح أن أتفّق معه على تحمّل جزء من مسؤولية هذا القرار.
إن لم يكن كذلك فلا تقدِم على هذه الخطوة، عليك أن تجد طريقة تعبّر فيها إنه ليس الوقت المناسب لذلك.
2- وإن كان كذلك عليك أن تحدّد دورك وتضيف إلى هذا الاتفاق وعيك فتصيغ الاتفاق بشكل جيد معلنًا بوضوح مساوئه وإيجابياته.
3- ضع في حسابك أن هذا القرار طويل الأمد وسيغيّر من شكل حياة عائلتك ومضمونها وإن لم تكن مستعدًا لذلك لا تقدِم على الخطوة. الشوارع بها ما يكفيها من الحيوانات الضالة.
4-ادرك أن هذا القرار له مردود هائل على صحّة وشخصية أطفالك، ولن تكتمل صورة هذا المردود إلا عندما تكمل هذا السباق لنهايته.
اقرأ ايضاً: علامات ضعف شخصية الطفل وطرق علاجها
GIPHY App Key not set. Please check settings