بيتي كيف أمتلكه؟
لا يتحدّث هذا المقال عن الإجراءات التي عليك اتباعها لتوثيق ملكيّتك لبيتك، لكنه يتحدّث عن بعض السلوكيّات والنصائح التي إن حاولت اتّباعها في وقتنا الحالي (انتشار جائحة فيروس كورونا) أو في العموم فإن وعيك لملكيّتك لبيتك سيزداد وقد تنظر للبقاء فيه بشكل مختلف.
الوعاء الأبيض ينفع في اليوم الأسود
من الصحّي أن ننظر لجميع جوانب بقائنا في البيت. أما الجانب الذي أحبّ التطرّق له هنا هو ملاحظتي للكمّ الهائل من النفايات التي ننتجها يوميًا، سواء من العلب أو زجاجات المياه والصفائح. إن كنت من محبّي التخزين مثلي، ففي هذه الأيام ستجد نفسك منجذبًا للمزيد من التخزين، فربما يأتي اليوم الأسود الذي تحتاج أن تستخدمهم فيه. لكن مهلًا، نحن بالفعل في اليوم الأسود –لا أقصد أن أكون سوداويًا- لكننا في يوم يحتّم علينا التفكيرفي إعادة تدوير هذه الأشياء سواء القديم منها أو الجديد. إن لم يكن إعادة التدوير قرارك، فعليك التخلّص من هذه النفايات بسرعة إما بإعطائها لمن قد يعيد استخدامها أو فقط تخلّص منها وأخرجها خارج حساباتك وبيتك. لماذا؟ لأنها ببساطة تأخذ حيّزًا ليس من مساحة بيتك وحسب، بل من وقتك كذلك. فما تحاول البحث عنه في غرفة التخزين (أوغرفة الكراكيب كما نسمّيها كمصريين) ولا تجده بسهولة يضيّع من وقتك ويستنزف من مشاعرك كثيرًا. لذا تخلّص من الكراكيب، وامتلك غرفة الكراكيب، فربما يمكنك أن تحوّلها لمكان جميل جديد للاستخدام أو للعب مع أبنائك.
هذا ما تفعله زوجتي هذه الأيام وبشكل عجيب يذهلني ويجعلني أشعر بالفخر أنني أمتلك هذه الأمتار القليلة، بل وبالأولى الفخر أنني متزوج بهذه السيدة. فأول ما تحرّكت زوجتي لتجديده هو شرفتنا. فقد طلبت مني شراء طلاء أسود وبعض أدوات الطلاء، وطلت حائطًا صغيرًا في الشرفة باللون الأسود، وصنعت سبورة لابنتنا الصغيرة فيها نرسم ونكتب سويًا –والحقيقة إني أستخدم هذه السبورة أكثر من بنتي. لا أحتاج أن أصرّح لكم أنني عارضتها في الأول وقلت لها أن الطلاء ليس بالأمر الهيّن (كل حاجة ليها أصولها) لكنها فعلتها، والنتيجة مكان جديد لنا كعائلة للتقارب والتعبير عن الذات.
هذا مجرّد مثل ولا أقصد به التفاخر بزوجتي، لكن التعبير عن سعادتي بامتلاكي هذا الحائط الصغير الذي ربما كان قد سيظلّ هكذا لو لم تفكّر زوجتي في استخدام جديد له. هنا أيضًا نأتي لثاني نقطة وهي كيف يمكننا أن نتغلّب على إحساسنا الزائف أننا لا نقدر أو أن هذه فقط إمكانيات بيتنا الصغير؟
اقرأ أيضاً: أفكار لترشيد الاستهلاك أثناء أزمة الكورونا
لم أعرف أنه يمكنني فعل ذلك
مثلما شككت في قدرة زوجتي على طلاء هذا الحائط، فنحن نشكّ في قدرتنا على فعل أشياء كثيرة، أشياء وأن فعلناها ستزيد من امتلاكنا لما نمتلك وستجعل حياتنا أفضل. هذا فكر”كراكيبي” مضرّ يجب أن تتخلّص منه أيضًا ولا يوجد وقت أفضل من هذا لفعل ذلك، لأن التجربة والتجريب أصبح ضرورة وليس مجرّد رفاهية.
الكثير من الرجال مبهورون من اكتشافهم لفنون الطهي، فلم تتح لهم الفرصة ولم تدفعهم الضرورة لفعل ذلك من قبل، لكن الآن تعرّفوا على هذه القدرة من جديد. لم يكونوا يعرفوها سابقًا، لكنهم عرفوها بسبب الضرورة.
هذا مجرّد مثل لشيء قد كنّا كرجال أبعد ما يكون عنه، وبهذا البعد تخيّلنا أننا لا نقدر لكن بسبب الضرورة جرّبنا وفشلنا ثم نجحنا.
شبكة المعلومات أو الإنترنت مليئة بالأشياء التي يمكن أن نتعلّم منها. الموضوع ليس مجرّد طهي أو حتى إعادة تدوير، لكن إعادة ترتيب بيوتنا وابتكار طرق لقضاء وقت ممتع مع أبنائنا ومع الكتب والمعارف. ما عليك إلا أن تبدأ، فقط عليك بالتفكير في الحياة وكأنك منتج وليس فقط مستهلك.
منتج أم مستهلك
ربما تعجّبت مرارًا كثيرة من ثقة والدتك أو زوجتك أو حماتك في قدراتهم على الطهي وتعفّفهم وتأفّفهم من الطعام المعدّ خارج المنزل، ربما سمعت كثيرًا جملة “ما أطهيه في البيت أفضل من هذه الوجبة بألف مرة”. وربما تعجّبت مرّات من زوجتك وهي تطلب منك عدم محاولة إصلاح الأجهزة المعطّلة بنفسك وتعريض وقتك للضياع بل أيضًا تعريض حياتك للخطر.
هو نفس الشيء مع اختلاف الأدوار، هي ثقة في قدرتنا على فعل الأشياء بأنفسنا. ليس بالضرورة أن تكون الأشياء التي نفعلها بأيدينا أفضل، لكنها بالحقيقة دائمًا ما تكون أوفر. إقبالنا على أسلوب حياة نعيش فيه كمنتِجين وليس فقط مستهلكين يجعلنا نقدّر الحياة أكثر، ويوفّر لنا المال ويخلق فينا عادات ورؤية الشخص المنتِج. عادات المنتج فيها مثلًا احترام كل ما يُصنع باليدين، وتقدير التخصّص، واللياقة البدنية والذهنية الجيّدة، والصبر، والمثابرة، والقدرة على الاحتفال. كل هذه الأشياء نحتاجها بشدّة في مواجهة جائحة فيروس كورونا.
كلما تمكّنا من عمليات الإنتاج إن كان طعامًا أو حرِفًا يدوية أو خدمات أو فنونًا، فإننا نصير مجهّزين أكثر للتعامل مع أيّ ضائقة مالية أو اقتصادية، تحقيق الكفاءة الذاتية لن يصبح فيما بعد حلمًا بعيد المنال.
لذا أبدأ بهذا التدريب مع عائلتك، لا تشتر خبزًا بل قم بشراء دقيق وإعداد الخبز مع زوجتك في البيت. هذه هي خطوتك الأولى في اكتشاف عادات المنتِج التي أشرنا إليها من قبل.
ليست مجرّد قضية توفير
لذا فهي ليست مجرد قضية توفير، هي إعادة امتلاك لقدراتك كإنسان وتخيّل جديد لدورك وما يمكنك فعله. هو أسلوب حياة سيغيّرك ويغيّر أطفالك، وسيخلق لهم البدائل التي تغنيهم عن إدمان وسائل التواصل الاجتماعي وألعاب الفيديو. إنها مساعدة تقدّمها لزوجتك وأوقات تقضونها في فعل شيء مفيد يقرّبكم من بعض. هي عبادة حقيقة واقتراب للصورة التي خلقنا عليها الله. هي امتلاك لبيتك من جديد وتحويل كل جزء فيه لمكان له معنى يشهد عن ذكريات جيّدة مع أبنائك ومع زوجتك.
أشجّعك بشدّة أن تبدأ وتعيد امتلاك بيتك وقدراتك كإنسان. أنت أقوى من أي جائحة.
اقرأ أيضاً: 4 مصطلحات تغيّرنا إلى الأفضل وقت وباء الكورونا (كوفيد19)
GIPHY App Key not set. Please check settings