قصّتنا كعائلة مع التكنولوجيا (ألعاب الفيديو ومواقع التواصل الاجتماعي)
نحن نعيش عصر الظاهرة. ماذا يعني ذلك؟ يعني أنه كلما زاد وعي المجتمع بموضوع معين وزاد الحديث عنه، أصبح هذا الموضوع ظاهرة الساعة، تتحدّث عنه جميع مواقع التواصل الاجتماعي ويتبنّى غالبية الناس نفس المعلومات عن الموضوع غير مدرِكين إذا كانت صحيحة أم لا أو ما إذا يمكن تطبيقها على واقعهم أم لا. في هذا العصر جانب إيجابي أيضًا، فهو كما أشرنا يزيد وعي الناس بموضوع معين، وهو سلبي لأنه يفرِض عليهم شكلًا معينًا من الأفعال والمواقف.
ربما كعائلة في عصر وباء الكورونا نفكّر ونهتم بموضوع إدمان أبنائنا المراهقين على مواقع التواصل الاجتماعي وألعاب الفيديو. هي ليست ظاهرة الساعة الآن، لكنها واقع دقيق يعيشه الكثيرون من أولياء الأمور بعد إغلاق المدارس والتزامنا بالبقاء في البيت.
يمكنك دائمًا البحث عن كيفية التعامل مع إدمان مواقع التواصل الاجتماعي وألعاب الفيديو، لكنك في هذا الوقت ستحاول تطبيق ظاهرة عامة على وضعك الخاص، وربما يحلافك الحظ وتنجح أو ربما لا. لذا سأحاول من خلال هذا المقال أن أستعرض جوانب معينة قد تخفى عن الجميع في التعرّض لهذه الظاهرة، وسيكون ذلك عن طريق سرد قصتي مع ألعاب الفيديو وتوصيات من منظمة اليونيسيف عن الأطفال في عصر التكنولوجيا الرقمية.
قصّتي مع التكنولوجيا
إذا كنت من مواليد نصف السبعينات حتى الثمانينات من القرن الماضي، قد تجد هذه القصة مألوفة لك، أو ربما تعبّر القصة عمّا هو مألوف لك. جيلنا لديه تقدير خاص للتكنولوجيا والحواسب الإلكترونية بسبب إن الطفرة الأكبر في تقنياتها وإمكانياتها وانتشارها تزامنت مع نمّونا وتقدّمنا في المعرفة والعمر. نحن جيل الأتاري قبل أن نكون الجيل الذي انتشرت فيه الحواسب (الكمبيوترات).
ابتاع والدي لنا حاسوبًا (كمبيوتر) عام 1993، وفي مدينة صغيرة في صعيد مصر كان هذا سبقًا كبيرًا. الوقت الذي كان معروفًا في مجتمعنا أن الاستثمار الأكبر هو شراء طبق الاستقبال “الدش كما نسمّيه في مصر” أو شراء جهاز تسجيل الفيديو “الفيديو” قرّر والدي أن يشتري حاسوبًا. لم يكن قد سبقَنا لهذه الخطوة الكثيرون، لكنه كان حدثًا كبيرًا. دخل هذا الجهاز عالمنا الصغير وغيّر كل شيء. إدراكنا الأول عنه أنه مثل الأتاري لكن به إمكانيات أفضل. لم يكن نظام تشغيل ويندوز قد اُخترع بعد، لم يكن هناك مكان لإدخال الاسطوانات ولم يوجد إلا ما يسمّى بأقراص الفلوبي. أدخلنا أول قرص “ديسك”. حمّلنا أول لعبة وكانت لعبة ألغاز تُسمى ليمينجز وبدأ عندها السحر.
لا يسعني الوقت أن أتحدّث عن تطوّر تعلّقي أنا وأخوتي بهذه الجهاز، وكم كان مهمًا بالنسبة لنا، وكم كان يجمعنا ويفرّقنا لأنه لا يوجد جهاز غيره في البيت. لكنه صنع فينا طفرة، عزّز حب أخي للاختراع -وهو الآن يعمل في مجال الذكاء الاصطناعي والبرمجيات في الولايات المتحدة- وعزز فيّ أنا شخصيًا الخيال وحبّ المغامرة لأبعد حدود.
تعلّمنا الكثير من المصطلحات اللغوية الإنجليزية من ألعاب الحاسوب، وتفوّقنا بالفعل بسبب ذلك. الأمر الذي قد وصل في بعض الأحيان إلى تحدّينا لمدرّسينا في كلمات لا يدرون عنها شيئًا، كل هذا بسبب الألعاب. إلا أننا كنا بالفعل مسحورين مثبّتين عليه دائمًا. كان ذلك قبل انتشار الإنترنت “شبكة المعلومات العالمية”. لكن في نفس الوقت كان لدينا دائمًا البديل.
أنا وأخي كنّا نمارس رياضة كرة السلة ورياضات أخرى بشكل مستمر، كان أخي يحبّ كتابة القصص والقراءة وكنت أنا أحبّ الرسم والتشكيل بالصلصال. كل هذا جعل في حياتنا بعض الاتزان، لكن عندما تخيّرنا بين ألعاب الحاسوب وكل هذه الأشياء ربما كان الخيار في صالح هذا العالم الأخاذ؛ عالم الحاسوب.
لم تكن ظاهرة إدمان ألعاب الحاسوب معروفة عندها، لكنني نلت أنا وأخي قدرًا لا بأس به من التوبيخ بسبب طول المدّة التي كنا نقضيها في لعب هذه الألعاب. الأمر وصل إلى أن توجد أسطورة دائرة في بيتنا تقول أن عيناي دخلت أكثر إلى جوف جمجتي بسبب طول المدّة التي كنت أقضيها في اللعب.
لم يقودني ذلك إلى الفشل في دراستي أو ابتعادي عن ممارسة الرياضة. الحقيقة إني دخلت الكلية التي كنت أحلم بها. وظلّ ارتباطي بالألعاب ووسائل التواصل الاجتماعي بعدها قويًا.
لا أدّعي أن قصّتي مع التكنولوجيا مثالية ولا أنصح بتكرارها، لكنّي أسلّط الضوء على بُعدين. الأول أن خبراتنا مع التكنولوجيا لا يجب أن تقود توجّهاتنا مع أبنائنا في قضية إدمان الألعاب الألكترونية مهما كانت إيجابية، لأن يوجد فارق كبير بين الأجيال، فارق بين جيل الأتاري وجيل الهاتف الذكي. البعد الثاني هو إنه يوجد فائدة قد تكون كبيرة من التعرّض المتزن لهذه الوسائل مثل تعلم اللغة وتطوير الخيال.
أطفال العالم في العصر الرقمي
تنشر منظمة اليونيسف سنويًا تقريرًا يخصّ حالة الأطفال في العالم وكل عام تتبنى موضوعًا معينًا. في تقرير عام 2017 كان الموضوع عن وضع الأطفال عالميًا من استخدام وسائط التواصل الاجتماعي وشبكة المعلومات العالمية “الإنترنت”. وعلى قدر ما أشارت إلى إيجابيات هذا الواقع الرقمي من انفتاح وتمكين للمتسضعفين وإمكانية الحصول على المعلومة بسهولة، فقد أشارت أيضًا إلى إمكانية تناقل المعلومات المغلوطة وزيادة المخاطر الاجتماعية الموجودة في كل مجتمع، “على سبيل المثال زيادة التنمر وتطوّر أشكاله على شبكات التواصل الاجتماعي”.
ومن المثير أيضًا مناقشتها للأثر الاجتماعي وتأثير هذه التكنولوجيا على القراءة وممارسة الأنشطة الاجتماعية. فقد أشارت أن نظرية الإحلال التي تقول بأن التكنولوجيا الرقمية ستستبدل الكتب والتواصل الاجتماعي الحقيقي هي نظرية تبسيطية تلمس الواقع من جهات معينة، وتفشل في تفسير الكثير. وبدلًا عن ذلك تشير الأدلة الجديدة أن النظريات الأفضل لفهم علاقة أطفالنا بالقراءة والنشاطات الاجتماعية من جهة وعلاقتهم بالوسائط الرقمية هي ثلاث نظريات:
النظرية الأولى تسمى “الغني يزداد غنى” وهي تقول أن من لديه ميزات معينة فيما يخص القراءة والاجتماعيات سيزداد ذلك من خلال الوسائط الرقمية والعكس كذلك. تكمّل هذه النظرية نظرية تدعى “التكميلية” وهي تقول أن الأطفال سيبحثون عن ما لا يجدوه في واقعهم داخل الإنترنت. والأخيرة هي النظرية التحفيزية والتي تقول أن من لديه نشاطات اجتماعية ستحفّزه الوسائط الرقمية على زيادتها.
توجّهات مختلفة
تختلف توجّهاتنا في التعامل مع هذا العصر الرقمي كأولياء أمور. التوجّهات قد تعكس قصّتنا مع التكنولوجيا من ناحية واتزان استخدامنا لها ووجود بدائل للثقافة والترفيه غيرها من ناحية أخرى. لا يمكننا أن نخلق وضعًا يعيش فيه أبناؤنا خصوصًا في هذه الوقت الصعب -وقت وباء كورونا الذي ألزمنا جميعًا البيت- بعيدًا عمّا نعيشه. الأمر ليس وصفة سحرية. أعرف شخصًا لديه ولدين في سن المراهقة لا يتخطى وقتهم على أي نوع من التكنولوجيا الساعة يوميًا حتى في عصر الوباء، لكن لا يمكن تطبيق ذلك بسهولة أو لا ينصح بعمل ذلك لأن لهذا الشخص قدرة على إيجاد بدائل كثيرة لنفسه ولأبنائه من الحرَف والقراءة، وقد حرَم نفسه من أي اشتراك دائم بخدمات الإنترنت. ما تريد أن تطبّقه على أبنائك المراهقين يجب أن تعيشه.
في الأخير
-اجعل نظرتك متّزنة.
-عرّف نقاط القوة والضعف في قصّتك مع التكنولوجيا.
-حاول أن تزور عالم أبنائك الافتراضي لا كرقيب لكن كصديق مهتّم ومشارك.
-أوجِد لهم عالمًا به بدائل أنت تعيشها أولًا.
الغني سيزداد غنىً، والفقير سيزداد فقرًا.
المصدر:
Children in a Digital World
THE STATE OF THE WORLD’S CHILDREN 2017
ISBN: 978-92-806-4930-7
اقرأ أيضاً: سواقة الكترونية آمنة: سيركل من ديزني
👍👍👍