in , ,

التكافل الإجتماعي في عصر الكورونا

التكافل: إعادة النظر لرؤية دورنا في المجتمع

نحن الآن بالبيت، ما نعتاد عليه توقّف. خططنا للمستقبل معلّقة. واقعنا صعب مليء بالتساؤلات. لكن مع توقّف المعتاد فرصة لإعادة النظر في أشياء كثيرة. ما هو دورنا الحقيقي في البيت؟ كيف نعيش بالفعل مع أبنائنا لحظة بلحظة؟ كيف نقيّم حوارًا بناء بين أفراد عائلتنا؟ كيف نتواصل مع أحبائنا رغم بعد المسافات؟ والأهم كيف يكون لنا دور إيجابي في مجتمعنا وبلادنا فهي عائلاتنا الكبرى.
ربما سمعت عن مبدأ التكافل. سنحاول في هذا المقال تخيّل أبعاد التكافل والذي لا يحتمل أن يتحقّق بشكل دائم فعّال إلا من خلال إعادة اكتشاف بشريتنا وثقافتها المنسية، ولا بدون التمّسك بتراث منطقتنا العربية الأصيل تراث الكرم، ولا بدون أن نتحدّى كل تصوّر محدود عن ما نملك وكيف يمكن أن يساعد الآخرين، ونسأل أنفسنا بشكل شخصي كيف وبكل هذا يتكوّن لنا نظرة جديدة لحياتنا فيصبح التكافل أسلوب حياة.

ثقافة منسيّة
كتب الكاتب الإنجليزي جورج تيرنر في القرن التاسع عشر عن المجتمعات البدائية الموجودة في جزر ساموا في جنوب المحيط الهادئ، واصفًا في أحد محادثاته مع أحد ساكني هذه الجزيرة دهشته الشديدة عندما عرف بوجود الفقراء في بلدة تيرنر “لندن”، وعبّر مستنكرًا: “كيف يكون هذا؟ ألا يوجد لديك  م طعامًا كافيًا؟ ألا يوجد أصدقاء لهؤلاء؟ ألا يوجد منازل لهم؟ أين نشأوا؟ ألا يوجد بيوت لأصدقائهم؟”
يعبر هذا الاستنكار والدهشة عن عدم إدراك هذا الإنسان البدائي لما يسمّى بالفقر، المبدأ الذي نعرفه جيدًا في مجتمعاتنا المدنية المتحضرة والذي لا نعرفه فحسب لكننا متعايشون معه تمامًا. الفقير والمحتاج هو سيء الحظ قليل الحيلة، ووجوده في المجتمع محتّم وطبيعي لأنه لا بدّ من وجود الأقوياء والضعفاء. أما بالنسبة لهذه المجتمعات -والتي تتشابه مع المجتمعات البدائية في العالم أجمع وأيضًا ما قبل التاريخ- فلا يوجد فقر لأنه لا يوجد ملكية خاصة للأرض أو البيوت، حتى الطعام لا يحتمل أن يتناول شخص ما الطعام وحيدًا. ما يُروى عن هذه المجتمعات أنه إن وجد أحد طعامًا في مكان منعزل، كان يصيح لوقت طويل يدعو فيه أي شخص آخر للمجيء لتناول هذا الطعام معه وبغير هذه الصيحات لا يمكن أن يبدأ في تناول هذا الطعام.
هل يوجد ما نتعلّمه من هذا الواقع القديم؟ أعرف أننا نبعد كثيرًا عن هذا الواقع المثالي لكن دعونا ننظر ثانيةً إلى هذه الثقافة المنسيّة لعلها تخلق فينا تكافلًا حقيقيًا.

اقرأ ايضاً: خمس طرق للتقليل من نشر الوباء المعلوماتي غير الصادق

تراث أصيل
تذكّرنا هذه القصص بالكرم الموجود في مجتمعاتنا العربية والتي إما كانت في أصلها قبلية أو زراعية تتصف وتتميز بهذا الكرم بشدة. من الشيم أن تأكل وحيدًا في مجتمعاتنا العربية، يمكنك أن تسمع هذه العبارة اللبقة بلغات عديدة في بلادنا العربية عند ذكر الطعام وهي “تفضل معنا- أو بالمصري اتفضل معانا”. تحمينا عبارات كهذه من الشعور بالغرابة عندما نقدم على الأكل في الفضاء العام، وهذا إنما يدلّ على كرم أخلاق تراثنا العربي والذي نريد أحياءه في التكافل، لا فقط في مشاركة الطعام بل في تقدير ومساعدة كل من يحتاج إلى مساعدة.
ليس لدينا خيار أن نعيش وحيدين في هذه المحنة. ما يمكننا أن نقدّمه للآخرين كبيرًا، وليس كما نتخيّل لا يمكن أن يصنع الفارق في جميع فئات المجتمع من أصحاب شركات وعاملين وربات بيوت وأصحاب المتاجر من السلع الإستهلاكية وغيرها. لا يمكننا أن ننظر فقط لمنفعتنا الشخصية، لا يمكن أن تظلّ عبارة “تفضل معنا” هي عبارة اعتبارية أو “عزومة مركبية كما نقولها بالمصري”. نحن بنفس المركب. لا يحتمل أن تقول فيما بعد كمسؤول أنا متفهّم لكني متأسف ليس لدي ما أقدّمه.  لدينا الكثير لنقدّمه وهذا هو التحدّي الذي يجب أن نجتازه.

تحدّي جديد
يفرض علينا هذا الوباء حيثيات جديدة للعمل والإنتاج. حماية المجتمع من تفشي الوباء هي الحيثية الأكثر أهمية لذا فهذا تحدّي جديد لاكتشاف طرق جديدة للعمل وتدريب عضلات اجتماعية قد ضمرت من عدم الاستخدام لسنين عديدة. العمل في البيت أصبح واقعًا كبيرًا وإن لم يحالفك الحظ بتلك الأعمال التي يمكنك تأديتها من البيت، فعليك البحث عن ما يفيد أسرتك في المقام الأول وبلدك في المقام الثاني.
هذا التحدّي هو فرصة لاكتشاف قدرات قديمة عندك لم تستغلّ من قبل. في مصر نرى الكثير من الأزواج بدأوا في مساعدة زوجاتهم في أعمال البيت، الأمر الذي يتسم بالطرافة لمجتمعنا الشرقي ولكننا نحتاج أن ننظر إليه بجدّية أكثر. تتجه أيضًا سيدات كثيرات لاكتشاف فنون الطهي وربما الخبيز، ومنهن من بدأن في عمل وجبات للمحتاجين ومن بدأوا بالتطريز. كل هذه الطاقات المخفية ظهرت في وقت الأزمة وكم يتمنّى الكثيرون أن تبقى بعد زوال الأزمة.
يوجد أشياء عديدة تحتاج لمن يقوم بها بعد غلق المدارس ودور العبادة والنوادي والمتنزهات. كيف سنعيش حياة صحيّة هذا هو التحدي!

سؤال شخصي
ولأنه يوجد الكثير من المهام تحتاج لمن يقوم بها ويقوم بها بكل جدّية، يحتاج كل شخص منا أن يسأل نفسه هذه الأسئلة.
ما الذي يجب أن أفعله؟ كيف يمكنني أن أساعد من حولي؟ كيف يمكني أن أشجّع عائلتي؟ من هم الأشخاص الذي أتواصل معهم بشكل دوري؟ هل يمكنني أن أغيّر من طريقة تعاملي معهم؟ هل ممكن أن أدفع المزيد؟ أساعد أكثر؟ أشجّع أكثر؟
نعم تعاملاتنا وتحرّكاتنا قلّت لكننا سنظلّ نتفاعل مع بعض الناس: عامل النظافة، الطبيب، أفراد عائلاتنا، زملائنا في العمل والمسؤولين منا. كل هؤلاء ينتظرون تفهمنا ولا يحتمل مرة أخرى أن نكتفي بالتفهم لكن التكافل.

نظرة جديدة
ربما يكون هذا الوباء هو فرصة لنرى الأمور بجدّية، بنظرة جديدة خالية من الأنانية. لدينا الكثير ولا يمكن أن نعيش باقتصاديات الفاقد، الفاقد هو إنسان ومواطن مثلي ومثلك.
صرّح المدير العام لمنظمة الصحة العالمية تيدروس أدهانوم أن مقدار قوتنا كمجتمعات هو بمقدار قوة أضعف حلقة في سلسلة مجتمعنا، وذلك يعني أن علينا أن نبحث عن الضعيف والمحتاج حتى نقوّيه لأنه قوته تقوينا وضعفه يهدد أماننا جميعًا.

– لذا أبحث عن الضعيف وآزره.
– لا تظن أن ما يمكنك فعله قليلًا.
– لا تنحصر في رؤية للواقع محدودة.
–  لا تنشغل فقط بالأخبار البعيدة عنك بل انشغل بالقريب بدايةً من مشاعر زوجتك وأطفالك حتى كل شخص تتفاعل معه على مواقع التواصل الاجتماعي.
– فكّر بمنطق مختلف لأنه من الجنون محاولة الوصول لنفس النتائج في هذه الحيثيات المختلفة.
– أكرم من مالك ومشاعرك كل شخص يحاول أن يقوم بعمله بجدية، فنحن كبشر مثل جسد الإنسان إما أن نعتني بجميع أعضائة أو يصيبنا المرض لإهمالنا لبعض.

اقرأ أيضاً: 30 فكرة عملية لقضاء الإجازة بسبب فيروس الكورونا

What do you think?

Written by صموئيل

اترك تعليقاً

GIPHY App Key not set. Please check settings

2 Comments

خمس طرق للتقليل من نشر الوباء المعلوماتي غير الصادق

خمس طرق للتقليل من نشر الوباء المعلوماتي غير الصادق

البراونيز

البراونيز -حلوى الشوكولاته اللذيذة