يعتَبر عيد الأم من المناسبات المحيّرة لكثيرين. فهو كما نتخيّله محاولة لتكريم دور أمهاتنا وما قدّموه من تضحيات لنا على مرّ السنين. وعلى الرغم من أنه فرصة لتوصيل مشاعر العرفان، إلا إنه قد يكون مصدر إحباط للكثير من الأمهات. ومن أكثر الأمهات المحبَطات هنّ من لديهن أولاد غير قادرين على التعبير أو لا يتقنون فن اختيار الهدايا في عيد الأم. فإذا كنتَ/كنتِ من هؤلاء أتمنى أن يتعامل هذا المقال مع هذه الحيرة الموسمية. في هذا المقال أقدّم خبرتي الشخصية كشخص لا يجيد فن اختيار الهدايا، وكيف يمكنني أن أتصالح مع ذلك، والأكثر أهمية هو توصيل الحب والعرفان لأمي وكل الأمهات من حولي.
أنا وأمي : الدافع الأساس لكتابة هذا المقال
في حقيقة الأمر ما يدفعني لكتابة هذا المقال على الرغم من فشلي في اختيار الهدايا هو خبرة شخصية بحتة شهدتها في أمي وأتخيّل أن فهمها جوهري لقضية تقديم العرفان لأمهاتنا.
أمي سيدة بيت قديرة، طبّاخة ماهرة ومديرة متمكّنة في بيتها. كل معارفنا يشهدون لإبداعها في فنون المطبخ. تميّزت حفلات أعياد ميلادنا منذ سنيني الأولى بتنوّع هائل في أنواع الطعام وأشكالها. كانت دائمًا متماشية مع الموضة وتعدّ كعكة عيد الميلاد على شكل أكثر شخصية كرتونية شعبية في وقتها. أتذكّر منها كعكة على شكل الأسد سيمبا من الأسد الملك، وفي عام آخر الكلب كعبول الأكول، ومرة أخرى كعكة على شكل القط غارفيلد. هذا بالإضافة لكمّ هائل من شطائر البيتزا التي دائمًا ما جعلتني أشعر بالفخر، فأنا وأصدقائي نتناول البيتزا كسلاحف النينجا.
باختصار هي مبدعة. ضف إلى ذلك دورها الكبير في مساعدتي في المذاكرة أنا وأخوتي -مع عدم تواجد أبي كثيرًا لأسفاره وعمله- فستجد أنها أم مثالية بمقاييس عصر الثمانينات والتسعينات الذي فيه لم يكن قد حسم الجدال بين سيدة بيت أم سيدة أعمال.
لم يطرأ على بالي في يوم من الأيام أن لأمي عالم خارج عالمنا. هي موجودة فقط لتجعل حياتنا أفضل. نعم لها بعض الاهتمامات الفرعية لكن إدراكي لدورها كصانعة للطعام والبهجة لم يجعلني أدرك أنها مثلنا لها أحلام وتطلّعات خارج علاقتها بنا.
حتى جاء الوقت وبدأت ببطء تتحمّس لقضايا خارجنا، ورجعت إلى العمل من جديد، وحدث ذلك فقط حينما كبرنا. لم ترجع إلى العمل لاحتياجنا إلى المال أو لشعورها بالملل من دورها كأم، لكن لأجل قضية كبيرة. بدأت حينها أرى أمي بشكل جديد. هي شخص مثلي ومثل أبي لديها من القدرات الكثير، ولديها أحلام كبيرة وقدرة هائلة على تحدّي الصعاب. كلما تقدّمت في عملها وتحقيق أحلامها زاد فخري بها.
وهنا يأتي الدافع لكتابة المقال. أعرف يقينًا أن طريق الأمومة والأبوة مليء بالتضحيات فقد أختبرت ذلك قريبًا – أنا أب جديد لبنت لم تصل لعمر السنتين بعد-. لكني مدرك أيضًا كرجل شرقي أن الجزء الأكبر من هذه التضحية في مجتمعنا يقع على كاهل الأم. نعم هذه حقيقة والدليل على ذلك تخيلنا أن الأمهات هن كيانات معدّة فقط لصنع السعادة والطعام، وليس لهن أحلام أو قدرات خارج بيوتهن.
في الحقيقة أعظم هدية نقدّمها لأي أم أو سيدة هو تعضيدها في طريق استرجاعها لأحلامها وطموحها.
أمي تحبّ مساعدتي لها في مشروعها الخاص. فكلما ساعدتها على كتابة أحد رسائلها الإلكترونية أو في عمل ملصقات مشروعها، شعرت بتكريمي لها كأم وانهال عليّ سيلًا من دعوات “أدامك الله ليا ابنًا يا ولدي”. كشخص لا يتقن فن اختيار الهدايا أنا سعيد أن أمي تشعر بحبي لها.
لكن ربما قصّتك ليست مثل قصتي، ربما أنت ابن لسيدة عاملة ساعدت زوجها في مصاريف البيت ولم ترضَ إلا بأفضل شيء لأولادها.
هذه حماتي أم زوجتي، وهي نموذج آخر لشباب الثمانينات، وقد أختارت العمل والتربية معًا وهو الخيار الأكثر شهرة في عصرنا الحالي. اختيار الأم الخارقة كما يسمّيه البعض.
اقرأ أيضاً: كيف أحصل على لقب سوبر ماما؟
أنا وحماتي: الوجه الآخر، الأم الخارقة
لديّ فقر كبير في إدراكي لشخصية حماتي. فهي تختلف كثيرًا عن أمي بفضل اختيارها للعمل أيضًا بالإضافة لواجبات البيت. هي تصنع كل شيء بسرعة فائقة، تطهي الأكل بسرعة، تنظف بسرعة، وتتناوب فترات العمل في صيدليتها مع زوجها بجدول زمني دقيق. من الصعب أن تراها هي وزوجها في نفس المكان إلا داخل الصيدلية ووقت الأعياد. منظومة دقيقة محسوبة فيها أيضًا تضحية وخسارة. لكن المنظومة نجحت وأتتني بهذه الزوجة التي تشبهها في الجدّية وتشبه أمي في الكثير من الأشياء مثل حب المطبخ. – أنا رجل محظوظ -.
هذه السيدة التي تعبت كثيرًا ولديها دائمًا الاستعداد لفعل المزيد أيضًا بدأت في إدراك العالم خارج منظومة العمل والبيت. أراها الآن تسعى لدراسة الرسم، والمشاركة في أنشطة اجتماعية قد حُرمت منها بسبب هذه المنظومة الدقيقة التي كانت تعيش فيها. كلما أراها تفعل ذلك أشعر بالسعادة فهي أخيرًا تفعل ما تحبّ، ليس ما يجب أن تفعل فقط. كلما سنحت لي الفرصة لمساعدتها على ذلك فعلت وحينها ينهال عليّ نفس السيل من الدعوات.
أنا وزوجتي : الخلاصة
زوجتي ليست فقط بنت واحدة من شابات الثمانينات لكنها أيضًا بنت هذا العصر، العصر الذي أصبح فيه مشاركة المرأة ضرورة وليس مجرد رفاهية أو محاولة لإثبات الذات. العمل وتربية بنتنا ليس خيارًا، والتحدّيات كثيرة. لكن هل سأنتظر العمر يمرّ بنا حتى تفعل زوجتي ما تحبّ وتحظى بالراحة التي تتمناها وتستحقها؟ لن أدّعى المثالية، يسهل علي مساعدة أمي أو حماتي بشكل موسمي لكن أن أوفّر ما قد يحرّر زوجتي من أي منظومة أو روتين قد يقلّ من آدمية زوجتي هو شيء يحتاج قرارات كبيرة. ويحتاج مني التحرّر من عقيدتي الشرقية التي تقول أن السيدة مخلوقة فقط لإدارة البيت والطهي.
تحدّي: أعظم هدية في عيد الأم
لو لم ترضَ أنت شخصيًا بشراء أدوات الطهي لوالدتك أو العطور، أو ربما تردّ الدعوات بالدعوات أو تقبيل يديها أو شراء الورود أتحدّاك أن تسأل والدتك هذا السؤال: ما هو حلمك يا أمي؟ إذا أجابتك بإجابات معروفة نسمعها آلاف المرات في الأفلام والمسلسلات مثل الستر أو الصحّة والنجاح لك، فاعلم أنها ضحية هذه المنظومة التي أنستها أحلامها، وأعلم أن لديك الكثير لتفعله لتذكّرها بما تريد لكن اعلم أيضًا أن مردود ذلك كبير عليك وعلى كل من تحبّ.
لن تحتار مرّة أخرى في عيد الأم لأنك ستعرف كيف تُسعدها فالأمر ليس قائم على التخمين.
اقرأ أيضاً: الأمومة ليست مهمة إدارية
GIPHY App Key not set. Please check settings