تعلّمنا في المدرسة أن اللغة العربية هي لغة الضاد، فهي اللغة الوحيدة التي فيها حرف الضاد. نعم هذا أمر مميز، هذا أمر رائع، إنه حرف الضاد، حرف صعب النطق، ولكن نحن الناطقون باللغة العربية يمكننا نطق الضاد بسهولة. حرف الضاد هذا جعلني منذ طفولتي مرفوعة الرأس فخورة بلغتي العربية. لا أدري لماذا، ولكن يبدو أن الطريقة التي وصلتني من معلمة اللغة العربية جعلتني أشعر بهذا الزهو!
أما الآن وبعد مرور عدّة سنوات، أصبح الفخر بكثرة كلمات اللغة الإنجليزية التي أستخدمها في حديثي، وتناسق عبارات بريدي الإلكتروني باللغة الإنجليزية، وكلمات التشات المستخدمة عبر منصات التواصل الاجتماعي.
وعندما أتحدّث مع الأطفال وأجلس جلسة مع أشخاص في العشرينيات من العمر أشعر أن اللغة العربية بالنسبة لهم مثل فلوبي ديسك كمبيوتر قديم، أو شريط كاسيت لمسجل، أو تلفزيون أبيض وأسود… شيء قديم عفا عليه الزمن. لا أدري لماذا هذا هو الحال؟
أفكّر في هذا الأمر كثيرًا وفي بعض الأحيان أسأل الأطفال وأهلهم عن هذا الموضوع بالذات، فهناك بعض الأمور التي ربما هي التي جعلت الأطفال يبتعدون عن اللغة العربية ويتوجّهون للغة الإنجليزية، لا أضع المبررات لهم هنا، ولا ألتمس الأعذار ولكنني أحاول فقط تحليل الوضع:
- قصص اللغة الإنجليزية ممتعة ومتنوّعة وفيها الكثير من الأحداث المرتبطة بحياة الأطفال واليافعين، هذا بالإضافة إلى وجود الكثير من الأفلام والألعاب التي ترتبط بمواضيع هذه القصص.
-
معلّمات اللغة الإنجليزية في العادة أكثر متعة ولديهم أساليب خلاقة في التعليم، وتساعدهم في مهمّتهم المناهج المستخدمة فهي غنية بالألوان والصور، هذا بالإضافة إلى توفر الكثير من الوسائل التعليمية الخلّاقة باللغة الإنجليزية.
- توفر الكثير من المواد التعليمية والألعاب والأفلام باللغة الإنجليزية، بالإضافة إلى الأغاني الممتعة والتعليمية كذلك.
هذه بعض الأمور التي تجعل أطفالنا يميلون نحو اللغة الإنجليزية أكثر من اللغة العربية، ومع مرور الوقت يشعرون بالراحة في التعبير بها. ليس هذا فقط ولكن التعليم في المدارس وخاصة التي تتبع النظام الأجنبي جعل الأطفال يرتاحون مع اللغة الإنجليزية أكثر.
وبالمقابل كي يتقن الأطفال اللغة العربية، ويتمكّنون من التعبير شفهياً والكتابة بها فإنهم يحتاجون للخروج من دائرة الراحة الخاصة بهم، وبالطبع إلى جهد وهذا يتجنبه الكثير من أبنائنا، ويصبح الموضوع فيه صراع مع الأهل. وفي كثير من الأحيان يكون الاستسلام أسهل فيغدو الأطفال غير ناطقين باللغة العربية، ويصبح حرف الضاد معضلة لا مفخرة لهم.
وبالمقابل أود أن أذكر بعض الأمور التي أراها محفزًا لنا لاستخدام اللغة العربية:
- نحن عرب واللغة العربية جزء من هويتنا، فهل نريد هوية أخرى؟ وهل تلك الهوية الجديدة ننالها بمجرد أن تكلّمنا باللغة الإنجليزية؟ نحن تغيّرنا كثيرًا في كيف نأكل ونلبس ونعيش ونمارس أمور حياتنا اليومية، بدأنا نعيش حياة تختلف عن جذورنا وعن عاداتنا وتقاليدنا، ويبدو أن ألسنتنا اتجهت نفس الاتجاه.
- اللغة العربية لغة من الصعب تعلّمها، وإتقانها يفتح لنا أبوابًا مميزة. فاللغات الأخرى يمكن تعلّمها بسهولة. هل رأيت الكثير من الأجانب الذي يأتون إلى بلادنا كم يبذلون من الجهود بغية إتقان اللغة العربية، وتجدهم يصلون إلى مستويات متدنية في إتقانها، أما نحن فلدينا فرصة إتقان لغة من أصعب لغات العالم ولا نستغل هذه الفرصة.
- برأيي الشخصي أعتقد أن المستقبل سيقول لنا كم هي الخسارة التي سيعاني منها من لم يتقنوا اللغة العربية. ففي الأعمال سنحتاج اللغة في التواصل والمعاملات الرسمية والخطابات، إنها لغتنا التي لن يكون عنها بديل.
هذه الأمور هي مجرد تحليل شخصي لما أراه من حولي، ولكنني أود أن أقدّم بعض الاقتراحات العملية التي تساعد في تعزيز اللغة العربية بين هذا الجيل:
أعتقد أن الأمر يبدأ من القلب والفكر، نحتاج كأهل أن نقتنع أن اللغة العربية مهمة، وأنها يمكن أن تكون ممتعة. ليست هي لغة معقدة صعبة غير مستساغة، لكنها يمكن أن تنطق ما يقوله القلب وتصل بحروفها إلى أعماق القلب كذلك. المفتاح في هذا الأمر يكمن في أسلوب تعلّم اللغة، والوسائل المستخدمة والأهم من كل هذا هو اختيار النصوص الممتعة. فما زلت أتذكر ذلك النص الخارجي الذي استخدمه إحدى المعلّمات لدرس اللغة العربية لصف من المرحلة الابتدائية، وكان النص عن مباراة كرة القدم. استمتع الأولاد بالنص وفهموه واستوعبوا كل كلمة من كلماته. عندما ندرك أهمية اللغة ونشعر بهذه الأهمية يمكننا أن ننقل هذا الإحساس لأبنائنا. ولكن إن استخدمنا عبارات مثل “ماذا سيفيدهم هذا” أو “اللغة الإنجليزية هي لغة المستقبل، لا مكان للغة العربية فيه” أو “إنها معقدة وصعبة ومملة”…. فإننا نزيد نفور أبنائنا من اللغة. ولكن إن شجعناهم وقرأنا لهم تلك النصوص الممتعة فعندها يمكننا محاربة هذا النفور.
التصميم على استخدام اللغة العربية في التواصل مع الأبناء حتى لو أرادوا العكس. هذا لا ينفي أن نتحدّث معهم باللغة الإنجليزية كنوع من التدريب والممارسة، ولكن علينا أن لا نستسلم ونستثني العربية من حياتهم.
المتعة والمرح عناصر هامة في العملية التعليمية، هناك الكثير من المصادر المتوفرة مؤخرًا باللغة العربية. اختر القصص الممتعة والأغاني الحيوية واستخدمها لتعزز حب اللغة واستيعابها.
وأتمنى أن الجيل القادم يتمكّن من أن يرفع رأسه فخرًا بلغته العربية. وأتمنى أن تبقى لغتنا فخرًا لنا وتعبيرًا عن هويتنا.
GIPHY App Key not set. Please check settings