أكثر الأوقات التي فعلياً أتحدّث فيها مع أولادي وأقضي وقتاً مثمراً معهم بدون أي مقاطعات هو ونحن في السيارة، وتحديداً إما في طريقنا إلى المدرسة أو العودة إلى البيت… أهم القرارات والاستجابات لأبنائي تكون في هذا الوقت بالذات…وطبعاً يحدث هذا عندما يكونان هادئين لا يتشاجران كعادتهما على أبسط الأمور … وهذا نادراً ما يحدث…..
في أحد الأيام وبينما كنا في طريقنا كالمعتاد إلى البيت تفاجأت بسيارة أمامي كادت تصدمني، فقد سلكت هذه السيارة طريقاً ممنوعاً لم أتوقّعها أمامي… ضغطت على فرامل السيارة وأنا مرعوبة من لحظة الاصطدام…كانت ردّة فعلي طبيعية بدأت بالتذمر والتعبير عما آلت إليه الامور في القيادة في بلدنا وكيف أن الالتزام بالإشارات المرورية أصبح نادراً في هذه الأيام…
وهنا بدأت جولي بالاستفسار عن معنى الإشارات وأهمية وجودها في الشوارع…..وبدأت أشرح لها أهمية القوانين في حياتنا، فلولا وجود القوانين لعمَّت الفوضى وكثرت الحوادث، فالإشارات المرورية تساعدنا أن نعرف حدودنا ونفهم حقوقنا وواجباتنا…………..بدأت أشرح لها كل إشارة نراها في الطريق، وأربطها بحياتنا اليومية؛ فإشارة الممنوع عندما لا تسمح ماما لنا بتناول الحلوى بعد الساعة الخامسة، وممنوع الوقوف عندما لا تسمح ماما بأن نلعب في الشارع أو نقف بالقرب من موقد الغاز وهكذا… حتى وصلنا إلى إشارة “إعطاء الأولوية” أي أن نعطي الشخص الأولوية، فيكون هو الأول في الحديث، هو الأول أي هو الأهم مما أقوم به حالياً… وهنا فقط بدأت أتأمل وأتخيّل الأوقات التي كنت فيها أعطي الأولوية لأولادي!! فكم مرة يأتي أولادي إليّ وأكون مشغولة في الطبخ أو ملتهية بكتابة مقال أو حتى كتابة رسالة نصية إلى صديقة!!
نعم أعترف بأني قلّما أعطي أولادي الأولوية عندما أكون مشغولة بقراءة ما يحدث حولي في السوشال ميديا……. أو في تنظيف البيت أو في إنهاء طبخة… أعترف بأنه كثيراً من الاوقات كانت أولويتي هي ضيفي، فأستخدم له السفرة لتناول العشاء والتي قلّما نجلس عليها كعائلة واستبدلها بطاولة المطبخ. أولويتي ضيفي عندما أضع الأواني الفاخرة والصحون غالية الثمن على تلك السفرة التي هجرناها منذ أن اشتريناها لتصبح فقط لزائر مهم أو ضيفاً عزيز …
لم أجد المثل المناسب لهذه الإشارة: إشارة إعطاء الأولوية وبقيت أتخيّل وأتأمل لأجد أنني قلّما أعطي أولوياتي لأولادي في الاهتمام أو الحديث معهم، أو حتى في قضاء وقت كمي معهم لا لأسمعهم فقط ولكن لأنصت لأحاديثهم وتعبيرات وجوههم، لأفهمهم وأفهم شخصيتهم واحتياجاتهم خاصة عندما أشعر بالملل لدوري كأم….فأولوياتي صدقاً هي أن أقضي في السيارة الوقت الكافي لأرسل لأولادي لأنشطة مختلفة لألهيهم عني أو عن قضاء وقتهم على التلفاز أو الجلوس أمام الحاسوب… فأشركهم في أنشطة كثيرة، فلا ندخل البيت إلا لتغيير ملابسنا أو للاستحمام والاستعداد للنوم، وكثيراً ما نأكل في السيارة لعدم وجود الوقت للعودة إلى البيت … لا أنكر أن هذه الأنشطة ضرورية، ولكن جعلها الأولوية عن التحدّث والاستماع لأبنائنا يؤدي إلى حوادث عواقبها مؤلمة… نحن بهذه الطريقة نبني جيلاً صامتاً غير مفهوم بالنسبة لنا كأهل ونحن من خلقناه، ونحن أول من علّمه بتجاوز الأولويات، الأولوية للإنصات والأولوية للحديث، فنبني حائطاً بيننا ليتعذّر عليهم الاستماع إلينا عندما نتحدّث معهم في الوقت الذي يجب أن نتحدّث إليهم، لأننا لم نعد من أولوياتهم كما نحن ربيناهم أن لا يكونوا من أولوياتنا …
دعونا ننظر إلى عيون أولادنا وننصت لهم لأنه سيأتي الوقت الذي يجب أن ينصتوا لنا. دعونا نوقف حواراً مع صديق أو ضيف عندما يتحدّث الينا ابننا، لنجعل أولوياتنا الحديث مع أولادنا والإنصات لهم بشكل أكبر لنفهمهم ونفهم سلوكهم. فالتواصل مع أبنائنا شيء في غاية الأهمية فهو الذي يساعدنا أن نفهم أولادنا ونعرف اتجاهاتهم وطريقة تفكيرهم حتى بدون أن يتحدّثوا إلينا، فأولادنا هم أولوياتنا والحوار هو الشيء الوحيد الباقي والسلاح الذي سنحتاج إليه كأهل في يوم من الأيام. فلولا الحوار لعمّت الفوضى وكثرت الحوادث بيننا وبين أولادنا، فلنضغط على فرامل أولوياتنا حتى لا تحدث لحظة الاصطدام مع أولادنا لتصبح ردّات فعلنا التذمر من جيل لم نعد نستطيع فهمه ليصبح نسخة نادرة في اعتقادنا، جيل “سخيف” أو “غير مفهوم” لأننا ببساطة لم نضع الحوار معهم من أولوياتنا.
حب ف
رولا انتي مبدعه مقالاتك واقعية من الحياة والواقع الذي نمر بن تجسدين الواقع الذي يواجههة الاهل في طريقة تعاملهم مع أولادهم ..لكي كل الاحترام
كتير حلو