كنت أسهر كثيرًا من أجله، أبذل قصارى جهدي من أجل أن ينمو ويكبر ويصبح شاباً… كنت أركض وألهث وأسهر ليلاً نهاراً من اجل راحته……… في كثير من الأحيان كنت أشعر بالتعب والإحباط أو الملل من السهر والجهد الذي أبذله من أجله… وقد أصل إلى مرحلة الاستسلام في كثير من الأحيان فأنشغل عنه ولا أعود أشعر به أو بوجوده….

أذكر يوماً وسط الزحام ووسط انشغالي عنه اختفى عني ولم أعد أجده، بحثت عنه في كل مكان… في بيت أهلي وجيراني عند أصدقائي ومعارفي…… اعتقدت أنه ضاع مني إلى الأبد … لم أجده ….عندها فقط شعرت بالخوف الشديد بالرعب بأني سأفقده مدى الحياة. أصبحت أبحث عنه في كل مكان، أسهر ليال طويلة وأنا أبحث عنه… هذه المرة وبالرغم من الركض والجهد وسهر الليالي كي أجده، إلا أنني لم أشعر بطعم ذلك التعب ولم أيأس ولم أستسلم ولم أشعر بالإحباط وأنا أبحث عنه ولكني كنت أشعر بالخوف…. بذلت أضعاف أضعاف ما كنت أبذله في السابق، فأصبحت أركض أسرع من ذي قبل وأصبحت لا أنام كي أجده …. ولكن دون جدوى عاهدت الله ونفسي بأني سأحافظ عليه، وسأعتني به أكثر دون أي تذمّر…. بكيت، صرخت، ناديت بأعلى صوتي ليعود إليّ كما كان…….. حتى وجدته………….. ويا للعجب كان كل هذا الوقت مختبئاَ هنا قريباً مني، وفي بيتنا وتحديداً في غرفة المعيشة مختبئاً وسط صور الذكريات، وسط تلك الأوقات التي نقضيها معاً كعائلة وسط صحّة أبنائي، وسط كل جزء من أجزاء حياتي وذكرياتي ووسط ممتلكاتي وسقف بيتي، ووسط صحّتي وصحّة زوجي…..كل هذا الوقت حولي وفي بيتي وأنا لم أره…. كل هذا التعب وسهر الليالي وهو فعلياً موجود معي مقيماً وسط صور ذكرياتي وأنا لم أره….

نعم فكم منّا يبحث عن السعادة، يلهث ويركض ويتعب من أجل الوصول إلى تلك السعادة، وهو يعيش فعلياً السعادة، وكم منّا يلهث وراء النجاح وهو يعيش معنى النجاح؟ لماذا ا؟؟ لأنه بكل بساطة نحن لا نشعر بالرضا والامتنان لما نملك. وليس معنى السعادة أن نمتلك كل شيء ولكن أن نرضى ونستمتع بما نملك…. ولن نفهم معنى الامتنان، ولن نشعر بروعة ما لدينا إلا إذا ذقنا عكسه أو كدنا نخسره أو خسرناه فعلاً ………. فكم منّا يتحسّر على آلام الماضي، ويتمنّى أن تعود بعد أن يعيش آلام الحاضر وتحديّاته….. دعونا نعيش اللحظة ونستمتع بما لدينا من نعم، ولا نعتبر ما نملك مسلّمات، فقد نفقدها في مكان ما ونبحث عنها في ماضينا وبين أوراقنا ….. لنكتب كل يوم عشر نِعَم لدينا حتى تصبح القائمة أصعب، ونبدأ بذكر أبسط وأصغر ما لدينا، عندها فقط سنكتشف بأنها ليست مسلَّمات، وإنما هبات قد تختفي في أي وقت لنتحسّر عليها إذا أضعناها………..العمل على مساعدة فقير أو محتاج ٍ، المشاركة في عمل تطوعي أياً كان، أي أمر يساهم في إعطائنا الشعور بأننا ما زلنا موجودين، وما زال وجودنا مهمًا في هذه الحياة، وما زلنا قادررن على العطاء والاإجاز….أن نحيط أنفسنا بأصدقاء يشجّعوننا إيجابيين يرون إمكاناتنا… وأهم من كل هذا أن نكون مؤمنين واثقين في الله شاكرين له ممتنين لعطاياه ونعمه علينا …….. عندها فقط لن نبحث عن السعادة، سنجدها في داخلنا ووسط ما نملك حتى لو كان أمراً بسيطاً ………..واعلم بأن أي تحدٍ يواجهك ليس مبرراً لتترك السعادة أو تستسلم لهذا التحدّي، فلولا التحدّي والفشل والصعوبات لما استطعمت السعادة والنجاح والفرح …….. وتذكّر أن الحزن هو بداية السعادة، والمتاعب هي بداية الراحة، كما أن الليل هو بداية النهار، فلا يمكن أن تشعر بروعة الشيء إلا عندما تتذوّق عكس هذا الشيء. أتمنى للجميع السعادة، فكلنا لدينا أشياء وأشخاص ونعم تساعدنا أن نستطعم السعادة لنعيش في السعادة، فالسعادة قرار واختيار، وهذا هو السر.

للمزيد عن السعادة:

كيف نعلم أطفالنا السعادة

السعادة الزوجية

What do you think?

Written by RulaHaddadin

اترك تعليقاً

GIPHY App Key not set. Please check settings

أخطاء شائعة للتعامل مع الحروق

أخطاء شائعة للتعامل مع الحروق

صورة الجسد وتأثيرها على ثقة ابنائي بنفسهم

صورة الجسد وتأثيرها على ثقة ابنائي بنفسهم