في إحدى بطولات الشطرنج المفتوحة والتي شارك بها ابني البالغ من العمر حوالي خمسة عشر عامًا، تقابل مع فتاة أصغر منه سنًا ولكنها كانت ممن فازوا في بطولات سابقة لعمرها. مثل هذه البطولات المفتوحة مفتوحة لجميع الأعمار وكافة المستويات. ففي أول مشاركة له لعب مع لاعب مصنّف دوليًا وبعمر جدّه، ومرة أخرى مع لاعب بعمر والده، كانت خبرة تعلّمية مميّزة وفريدة من نوعها. فالمعركة ذهنية لا تعتمد على مستوى اجتماعي أو عمر أو مظهر أو عمر. نعم هي معركة، عندما نظرت للاعبين أول مرّة وهم يجلسون الواحد مقابل الآخر ناظرين بحزم وبهدوء الواحد من نحو الآخر، تخيّلت حلبة المصارعة والعراك الذي يحدث فيها مع الفرق أن العراك هنا في حلبة الشطرنج عراك فكري.
الموضوع ليس موضوع فوز وخسارة فقط، ولكنه تخطيط وتنظيم وتفكير، قرارات صائبة وقرارات خاطئة، مهارة حل المشكلات، والكثير الكثير وليس مجرد لعبة شطرنج مسلية. والأهم من كل هذا أن تقوّي قلبك. هذا ما كان يحتاجه ابني في هذه المباريات. أمام الشاب كبير السن والمصنّف دوليًا كان بحاجة إلى أن يستخدم كل ما عنده من مهارات وإمكانيات وقدرات عقلية لتقديم أفضل خطة في اللعب، وعدم الخروج بهزيمة مع بضع دقائق من المباراة. وكذلك أمام الصغير كان عليه أن يلعب معه بجدية دون أن يستخف به أو يقلل من أهمية لعبه، وبنفس الوقت يكون لطيفًا ومشجعًا.
في إحدى المرات التي كان يلعب بها، نظرت إليه وهو في القاعة ووجدته متوترًا للغاية، لم أعلم السبب ولكن طلب بعض الماء على غير العادة. كنت أنتظره في الخارج ورأيت فتاة صغيرة مع والديها وكانت حزينة، وبدأت أتكلّم معها وقد رأيت معها خطوات اللعب والتي ملأت بها ورقتين مما يدل أن اللعبة طويلة وجيدة. وخلفها وجدت ابني والذي كان قد لعب معها وفاز عليها. لم أعلم أنه فاز على هذه الفتاة بالذات. تعالت الضحكات بيننا نحن الأهل.
نعم تعلّم ابني الدرس الصعب في هذه المرة أن يقوي قلبه ويلعب باحترافية، وقد شجع الفتاة وقال لها أن اللعبة كانت جميلة ومميّزة. وكنت أنا المشجعة لكليهما دون أن أدري أنهما خصمان. نعم نحتاج أن “نقوي قلبنا” ونبقيه مغمورًا بالمشاعر اللطيفة والمحبّة.
GIPHY App Key not set. Please check settings