لن أضيع الكثير من كلمات هذا المقال في شرح المعلومات التقنية عن ماهية التنمر، فأغلب مَن يسمع أو يلفظ هذه الكلمة يتراود على ذهنه معناها وصورها وأشكالها!
وللحفاظ على أرضٍ مشتركة بين الكاتب والقارئ سوف أضع هذا التعريف البسيط عن التنمر: وهو أي سلوك يلحق بالآخر ويحاول فيه المتنمر فرض السيطرة على المتنمر عليه آخذين بعين الاعتبار أن هذا السلوك العدواني غير ناتج عن الاستفزاز.
لا يعطي الكثير من الآباء والأمهات مثل هذه المواضيع أهمية لأنها كانت موجودة وبشدة في طفولتهم قائلين عبارات مثل “ومين ما انضرب وهو صغير….كلنا ضَربنا وانضربنا”، إلا أن علم نفس النمو أثبت بملاحظة طوليّة أن الأطفال بعمر السنتين عادةً ما يحلّوا خلافاتهم بالضرب، أما طفل الأربع سنوات يبدأ يميل أكثر للمجادلة، ويُتوقع من الطفل بعمر 8-9 سنوات أن يكون قادرًا على ضبط نزعاته العدائية.
وقد وجدت إحدى الدراسات أن حوالي 10% من الأطفال في عمر 10 سنوات لديهم عدوانية زائدة بشكل ملحوظ.
يظهر التنمر عادةً في الطفولة المتأخرة وأول المراهقة، كما أننا في أغلب الأوقات لا نرى التنمر يحدث من فرد لفرد. فهو عادةً ما يحدث من مجموعة لفرد، حتى ولو لم تكن كل المجموعة مشاركة بشكل مباشر. وإن تأملنا بهذه الملاحظة ستجد أن التنمر هنا له وظيفة سيكلوجية هامة وهي تحديد المراهق لهويته! فالمراهق بهذه المرحلة يعاني من صراع أساسي وهو صراع “من أنا؟”، فالمتنمَّر عليه هو نموذج غير مرغوب وفق “شروط الأهمية” للمجموعة (س) أما الانضمام للمجموعة (س) يجعلك ممن هم مقبولون لتوفر “شروط الأهمية” هذه فيهم! اقرأ أيضا التنمّر: أسبابه وأنواعه وطرق علاجه
أما بالنسبة لسلوك المتنمِّر نفسه فهناك الكثير من النظريات التي تفسّر هذا السلوك. ركّزت نظريات علم النفس على 3 جوانب بما يخص الشخص العدواني. ما يشعره الطفل؟ ما يشاهده الطفل؟ ماهية الإنسان وطبيعته؟
تشير بعض النظريات أن الإنسان بطبيعته يحمل هذه الغريزة العدائية القتالية عندما يحتاج الفرد لحماية أمنه وسعادته ووجوده. وأما بالنسة لمشاعر المتنمر فهناك ارتباط كبير بين التنمر ووجود إحباط داخلي عند المتنمرين، وزيادة على ذلك فعادةً ما نجد أن بيئة المتنمر تحتوي على تنمر أو تعزز العدوان بشكلٍ ما. اقرأ أيضا هل قلة قضاء الوقت مع ابني له صلة بالتنمر؟
وفي النهاية أوّد أن أختم بأن مدارسنا ومؤسساتنا الأكاديمية تتأرجح بين الإدارة السلطويّة القاهرة للطفل والحرية التي لا تعرف أي شكل من أشكال تعديل السلوك. لهذا نجد التنمر في مدارسنا يزداد يومًا بعد يوم دون أي تدخل علاجي. وفي حالات التنمر أولويتنا هي الضحيّة، فحماية الضحية من لحظة وصول المعلومة هي أولويّة لا مفرّ منها. وأما المتنمر فهو طفل يعاني الكثير من الصراع والألم الداخلي إن لم يبدو هكذا يحتاج لمساعدة مختصّة من مقدّمي الخدمات النفسية في المدرسة أو خارجها.
مؤيد حداد
أخصائي نفسي عيادي
GIPHY App Key not set. Please check settings