صندوق البريد

بدأت كلعبة تسلية عندما كان أولادي الثلاثة صغارًا، فقد كنّا نلعبها بعضنا مع بعض كي نتسلّى. كنا نصنع علبة من الكرتون ونكتب عليها  “صندوق البريد”، ونبدأ بالتنافس فيما بيننا على كتابة رسائل قصيرة وجمل وعبارات معبّرة نرسلها لبعض من خلال هذا الصندوق الصغير المزيّن برسمات أيديهم الصغيرة والتي حملت معانٍ كثيرة.

في كل مساء كنّا نتفقّد هذا الصندوق، فنجد فيه رسائل متنوعة لكل واحد منا، رسائل مكتوبة بكلمات صادقة وبريئة وبخط أيديهم الصغيرة التي تتعلّم الكتابة. من هذه العبارات “أحبّك ماما”، “يعطيك العافية بابا”،”شكرًا لأنك أختي وصديقتي”، “أنا فرحان لأن لي أختان”، “أشكر الله على عائلتي”، “أنتم أغلى ما أملك”، وكلمات وعبر متفرقة ترسل يوميًا عبر هذا الصندوق من الجميع للجميع من قلوب محبّة وطفولة بريئة.

لم أكن أدرك ان لهذه “اللعبة” التي اخترعتها لأولادي لكي نتسلّى ولكي أشجّعهم على الكتابة والتعبير أثر كبير على نفوسنا وبناء علاقة قريبة وحميمة داخل البيت.

وليس هذا فقط، بل أصبحت هذه الرسائل عادة جميلة نمارسها كعائلة لهذا الوقت من الزمن. فأرى ابنتي الكبرى وقبل ذهابها إلى عملها تترك لي ملاحظة ملصقة على باب غرفتي تشجّعني فيها لبدء يوم جديد في عملي.

و أستلم رسالة ثانية من ابنتي الأخرى ترسلها من غربتها  تقول لي كم هي ممتنة لوجودنا في حياتها كعائلة، ولدعمنا لها رغم وجودها خارج المنزل. أما ابني فلا يترك فرصة إلا ويعبّر فيها عن امتنانه لي ولوالده على أمور صغيرة وكبيرة في حياته “كالتوصيله للمدرسة كل صباح”، “تحضير الطعام”، “ترتيب غرفته”، “حب واهتمام أخواته له باستمرار”.

و كأن لغة الامتنان أصبحت اللغة المتبادلة لنا كعائلة دون أن نشعر، وأصبحت هذه الكلمات والعبارات فيما بيننا عبر هذه السنين المحفز والمشجّع في ظروف الحياة المختلفة بجمالها وصعوبتها.

فالامتنان والشكر على الأمور الصغيرة قبل الكبيرة في حياتنا هو المشغّل الرئيسي (الدينامو) الذي يعطينا الحب والقدرة على العطاء للآخرين، برغم وجود الكثير من التحدّيات في الحياة وعدم قدرتنا على العطاء.

اليوم، ونحن على أبواب توديع سنة جديدة في حياتنا، وفي زمن نشعر فيه بأن الأيام تمرّ بسرعة كبيرة. وتعبيرات المحبة والشكر أصبحت شبه معدومة. ما هو الدافع والمحفّز لنا للاستمرار بالعطاء؟

What do you think?

Written by jomana

اترك تعليقاً

GIPHY App Key not set. Please check settings

حين لا أفهم ابني

حين لا أفهم ابني

تعليم الطفل تحمّل المسؤولية

تعليم الطفل تحمّل المسؤولية