في الوقت الذي كنت أحضّر فيه العشاء في المطبخ، كانت تنظر إليّ بطريقة غريبة، كما نقول بلغتنا العامية “من تحت لتحت” لتتأكّد أني لا ألاحظ ماتقوم به. كانت تملأ كأس الماء وتأخذ منه القليل وتضعه على الطاولة، وتحرّك يديها الصغيرتين على الطاولة محاولة نشر الماء، ثم تنظر إليّ مرة أخرى لتتأكّد من عدم رؤيتي لها لتستمر بلعبها والسعادة واضحة على وجهها. عندما كانت تدرك أني رأيتها كانت تترك الكأس وتهرب للغرفة الأخرى لأنها تعلم أني سآخذ الكأس وسأضربها على يدها.
مع تكرار هذا الموقف تساءلت…. لماذا سآخذ الكأس منها؟ لماذا لا أدعها تلعب وهي مسرورة؟ هل لتبقى الطاولة نظيفة؟ ولماذا يجب أن تبقى الطاولة نظيفة؟ لكي أكون مرتاحة وسعيدة بأن بيتي دومًا نظيف ومرتّب؟ لكن هل سعادتي هي أن يكون بيتي نظيفًا ومرتبًا، أم أن يكون أطفالي سعداء؟ وهل سيعرف الطفل ما إذا كانت الطاولة نظيفة أو متسّخة أم همّه هو اللعب والتجريب؟ هل ستكون النظافة سبب حرمان طفلي من اللعب والحدّ من حريته وسببًا لضربه؟ وهل أضربه لأنه يلعب ويستكشف؟
وجدت أن عليّ إعادة التفكير باهتماماتي وبسلوكي في هذا الموضوع، فالأهم بالنسبة لي هو سعادة أطفالي، ومن الأمور العادية أن يكون منزلي غير مرتب أحيانًا. فعندما كنت أراها تلعب بكأس الماء وتسكبه على الطاولة أو الأرض، كنت أعطيها منشفة لتجفّف الماء ثم تغسل يديها. وعندما كانت ترسم وتكتب على الجدران كنت أعطيها قطعة قماش لتنظّف ما كتبته ثم أعلّمها أن الكتابة تكون على لوح أو دفتر. وعندما تأخذ علبة البودرة الخاصّة بي لتضع منها على وجهها محاولة بذلك تقليدي وليس تخريب أغراضي، كنت أبتسم لها وأغسل وجهها وأنبّهها بأن لا تلعب بأشيائي الخاصّة.
هذا لا يعني أن أهمل نظافة وترتيب بيتي، لكني فكّرت بواقعية للتوقّف عن الضغط على أفراد أسرتي بهدف الحفاظ على نظافة البيت، وعلّمتهم بذلك أن نظام ونظافة البيت مسؤولية مشتركة نصل إليها بالتعاون والحبّ إحدى المشاكل العائلية التي واجهناها هي مشكلة تدخّل أهلي وأهل زوجي في تربية أطفالنا، لدرجة أصبحت فيها أشعر بالتوتّر بالتعامل مع أطفالي. كما وكنت أتجنّب زيارة أهلي وأهل زوجي حتى لا نتعرّض لأي موقف قد يسبّب مشكلة بيننا.
كانوا يدلّلون الأطفال بشكل كبير فكل شيء مباح للطفل، ولا يوجد قواعد وقوانين لديهم، وكانوا لا يملّون من شراء الألعاب والدمى التي أجدها أحيانًا غير مفيدة للأطفال. كانوا يكسرون قواعد التربية عبر إغداق المشاعر، الأمر الذي يفسد كل محاولاتي لزرع القواعد التربوية لصغاري وإفساد سلوكياتهم، كما وكانوا يتغاضون عن التصرّفات والسلوكيات غير اللائقة وغير الجيّدة. كانوا يشعرون بالغضب عند أي محاولة للتصدّي لتدليلهما الزائد. فزيارة الأولاد لبيت جدّهم ليوم واحد في الأسبوع كفيلة لتخريب كل القواعد التي تربّوا عليها خلال الأسبوع.
ماذا نفعل؟!!! واجبنا اتجاه أطفالنا هو تربيتهم بطريقة جيدة، وحبّنا لأهلنا واحترامنا لهم ولخبرتهم جعلونا في حيرة…. ماذا يجب أن نفعل؟…. لكن إدراكنا لفكرة أنه لا يوجد أجداد هدفهم إفساد تربية أحفادهم، وإنما تصرّفاتهم تكون بدافع الحب، جعلنا نسعى لإيجاد حل لهذه المشكلة فكانت النتيجة : نعم للنصيحة ولا للتدخّل..
طلبنا منهم مساعدتنا وتدخّلهم بطريقة مثمرة، وذلك بالاستفادة من خبراتهم في توظيف حبّهم للأبناء، من أجل إتمام عملية تربيتهم وتنشئتهم بنجاح، حيث يقتصر دورهم في حال غيابنا على المساعدة والإشراف والرعاية.
فكنا نطلب منهم قراءة القصص للأطفال التي تساعد في غرس القيم والأخلاق، أو اصطحابهم في نزهة قصيرة دون تجاوز القوانين التي نضعها، وكنا مسرورين بتجاوبهم معنا في بعض المواقف.
أما في حال اختلافنا بالرأي أو التصرّف كنت أحاول المحافظة على هدوئي حتى لا أزعج أحدًا، وأستمع لهم لكن بالنتيجة أنفّذ ما أنا مقتنعة به دون اللجوء لمناقشتهم ومحاولة إقناعهم.
فمسؤولية تربية أطفالنا تقع على عاتقنا نحن الأهل فقط، لذلك من الأفضل الاستفادة من خبرات الآخرين سواء كانوا الأهل أو غيرهم دون أن نسمح لأحد بممارسة هذا الدور.
اسلوب جميل وواعي يحقق الهدف والسعادة للطفل تستحقين التقدير