في العيد الفائت قمت مع أسرتي بزيارة معايدة إلى منزل صديقي في العمل، مروان، وكانت معنا هبة ابنتي والتي لم تكن تعرف أفراد عائلته.
بعد التحية والسلام، إذ بعبدالله ابن صديقي وهو من ذوي الاحتياجات الخاصة (داون) يندفع نحوي فرحاً مبتسماً يريد أن يقبّلني كما في كل مرة يلقاني فيها، وأخذ يتكلّم معي بلكنته الثقيلة نوعاً ما ويقصُّ عليَّ أخباره، ومن ثم توقّف وأشار إلى ابنتي التي كانت بجانبي مندهشةً طوال الوقت سائلاً من تكون. فعرّفته عليها قائلاً هذه هبة ابنتي وقلت لهبة: هذا عبدالله صديقي، وكما فعل معي اندفع نحوها ليعيد عليها كل كلمة قالها لي.
بعد انتهاء زيارتنا، ولم نكد نخرج من منزل مروان حتى أعربت هبة عن دهشتها بلقاء عبدالله، وبأنها لم تفهم منه معظم الكلام الذي قاله لها. أخذت أشرح لها عن وضعه بشكل علمي قلت: إنهم ممن يُعرَفُون بمتلازمة الداون وهي طفرة وراثية تصيب الكروموسوم (21). وسمي (بداون) نسبةً للطبيب جون لانغدون داون الذي شرح ووصف هذه المتلازمة. وبأن جميع المصابين بهذه المتلازمة متشابهون بالبنية الجسدية والشكل، حيث لهم مظهر شعوب شرق آسيا (المنغول). هم ذوو عيون واسعة متباعدة عن بعضها البعض بشكل واضح، وأنوفهم مسطحة، وألسنتهم غليظة، ووجوههم دائرية ومكتنزي الأجسام.
ومن الأسباب الأساسية التي تسبّب هذه المتلازمة، القرابة من الدرجة الأولى بين الزوجين وأحياناً إنجاب الأطفال في سن متقدّم. وقبل أن يتقدّم العلم لم تكن تتجاوز أعمار المصابين ثلاثين سنة، ومع تقدّم العلم واكتشاف الدواء المساعد والرعاية الصحية المناسبة أصبح واحدهم يتجاوز سن الخمسين. وقد يُصاب بعضهم بعد سن الأربعين بالخرف المبكر أو بمرض الزهايمر. كذلك فإن المساعدة الاجتماعية للأهل والأطفال ساهمت في اندماجهم وتحسين وضعهم الاجتماعي وتقبُل المجتمع لهُم. إضافة إلى أن التدريب المهني ساعدهم في الاعتماد على أنفسهم وسهّل لهم الحياة. حتى أن هناك منهم من تزوّج (ذوي الإعاقة الذهنية البسيطة) طبعاً قد يؤدي هذا الى مشاكل في الإنجاب وتوريث الإعاقة.
تابعتني ابنتي باهتمام وتأثّر كبيرين، وانعكس ذلك على وجهها عطفاً واندهاشاً وقالت أنها لاحظت بأن نفسيته جميلة، وأن الابتسامة لم تفارق وجهه وبأن لطفه واضح. ابتسمت مؤكداً ملاحظتها بأنهم بشكل عام ألطف بني البشر وبأن ليس لديهم أي فكر عدائي اتجاه الآخرين.
فرحت هبة بهذه الخبرة التي عاشتها وكتبت موضوعاً مؤثّراً عنها، نشرته في جريدة المدرسة، نال استحسان اصدقاءها وتقدير معلّميها لما فيه من دعوة إلى قبول ودمج جميع المستضعفين في المجتمع.
GIPHY App Key not set. Please check settings