in ,

العمّال نبض الحياة

من داخل سيارة الأجرة في إحدى أسفاري إلى دولة مجاورة، في العام الفائت، لفتت أكوام القمامة على الطرقات انتباهي كذلك رائحتها الكريهة التي تكتم الأنفاس. أسندت رأسي إلى زجاج نافذة السيارة وسرحت في صورة عامل النظافة في حيّنا وبيده المكنسة ينظف الأوساخ عن الطريق، ويبحث عن نفايات ربما فاتته هنا أو هناك، ويردّ التحية مبتسماً على سكان الحي وهو يقود عربته بعد انتهاء عمله. (وأنا هنا لا أجُّمل صورته)

أعادني للواقع صوت السائق مستهزءاً “لم يعد ينقصنا إلا هؤلاء العمال“، نظرت إلى حيث يشير. كان عمّال قطاع الكهرباء مجتمعين على جانب الطريق يهتفون ضد المسؤولين، حاملين يافطات كُتبت عليها مطالبهم.

حملني هذا المشهد على التفكير بهؤلاء العمّال ومن يقودهم. وتداعى إلى ذهني الحوار الذي دار بيني وبين ابنتي منذ أكثر من عام، عندما طلبت مني أن استذكر معها درس من كتاب التربية الوطنية عن “العمل والعمّال” كانت تجد صعوبة في حفظه. أذكر أن السبب كان في إصرارها على عدم فهم الغاية من الدرس وإصرارها على حفظه كما هو. فلم يكن يعنيها موضوع “العمل والعمّال”. يومها حاولت لفت نظرها إلى بعض العمّال الذين التقتهم وتلتقيهم في حياتها اليومية ومدى تأثير عملهم على حياتها وحياة عائلتنا. وذكّرتها بجميع العمّال الذين قاموا بإصلاح بيتنا على أكمل وجه بعد الحادث الخطير الذي تعرّض له جراء الأزمة في بلادنا. النجار، والدهّان، والبنّاء، والحدّاد، وعامل التمديدات الصحية، وسائق الشاحنة، وغيرهم كثيرون كيف ساعدونا لنستعيد حياتنا من جديد.

وذكّرتها بأحد أكثر العمّال الذين كانت معجبة بعمله عندما كانت صغيرة وهو سمير عامل النظافة في حيّنا الذي كانت تدعوه “عمو سمير”. كان سمير صبوراً جداً وكانت كل يوم تراقبه من نافذة بيتنا في موعده المحدّد وهو يرفع النفايات التي كان أهل الحي يلقونها بإهمال في الشارع  كل يوم، وهو يعمل بدون تذمّر.

وكيف عدنا بعدها إلى الدرس. أنا أسأل وهي تجيب بعد أن فهمت معنى العمل العمّال:

من هو العامل؟

العامل هو كل من أنتج في أي مجال كان، سواءً في قطاع النقل أو البناء أو التصنيع أو البيئة أو الكهرباء أو الصرف الصحي، المياه، السياحة، الزراعة، الخدمات…

متى بدأت الحركات العمّالية؟

بدأت في أواخر القرن التاسع عشر في أستراليا ومن ثم امتدت حركتهم إلى شيكاغو وولايات أخرى في أمريكا الشمالية ومن ثم إلى كندا. وكانت تسمّى حركة الثماني ساعات، وبعد احتجاجات كثيرة وموت بعض قادة هذه الحركات برصاص الأمن، تمّ تثبيت مطالبهم في العمل ووضِعت القوانين الناظمة لذلك، وسمّي الأول من أيار (مايو) يوم العمّال. وأصبح يوماً عالمياً له أهميته في كثير من الدول ومنهم من يسمّيه يوم العمل.

ما قيمة العامل بالنسبة للدولة؟

العامل هو خط الدفاع الأول والأخير للدولة، فهو الذي يحدد مكانتها وترتيبها على مختلف المستويات عالمياً. كما أن قوانين الدولة تنظم موضوع العمل والعمّال فتساعد على  تطوير العامل على المستوى المهني من ناحية وعلى المستوى الشخصي من ناحية أخرى (معنوياً، أو صحياً، أو مادياً) لتؤمّن له الحياة الكريمة فيرتفع بذلك مستوى إنتاجه وعطاؤه وإتقانه لعمله ويرتفع معه مستوى الدولة ويميّزها عن الدول الأخرى.

انتهى الدرس يومها وهي سعيدة بالمعلومات التي اكتسبتها من الكتاب وصارت أكثر اهتماماً بمواضيعه الأخرى. في حين ازددت أنا حسرةً على عمالنا في بلادنا العربية. صحيح أنه تشكّلت نقابات للعمّال في بدايات القرن العشرين. لكنها غير فاعلة في كثير من الأحيان وبشكل عام لم ترفع من قيمة العامل لتجعل منه فخراً يسعى بدوره إلى رفع اسم بلده بين باقي الدول.

وأخيراً وصلت إلى وجهتي حيث أريد، شكرت عامل تكسي الأجرة، وتوجّهت بين جميع هؤلاء العمّال المنتشرين في شوارع المدينة متمنيًا لهم يوماً سعيداً.

What do you think?

Written by Andre

اترك تعليقاً

GIPHY App Key not set. Please check settings

ابني يسرق ما الحل؟

ابني يسرق ما الحل؟

احذروا من تقبيل أطفالكم وهم نائمون