رأيتها مراراً وتكراراً في صغري وهي تُطبقُ بابَ غرفتها ورائها، أحياناً يُغلقُ البابُ وأحياناً أخرى لا يَطبُق، وكنتُ كطفلةٍ استرقُ النظر من شُقِ الباب، فأراها راكعةً قربَ سريرها، ورأسها مسنودٌ إلى كفيها المطبوقتين أمامها على الفراش، وكانت تُتَمتِم الصلاة الرّبانيه وبعضَ المزامير، وتصلّي، وتطلب، وتشكر وتسبّح الله يوماً بعد يوم. مضت سنينَ عديدة وما زلتُ إلى يومنا هذا أذكرُ وأرى تلكَ الصورة حيّة مطبوعةً في ذاكرتي.
وكحاجة كُلِّ ولدٍ أو بنتٍ إلى مثالٍ حيٍّ أمامه، ينظرُ إليه بعين الاحترم والتقدير، مثالاً يتبعه في حياته ويكونُ قدوة له في بعض أو كل مناحي الحياة، كانت أمي هي مثالي الأول، سيدة بسيطة، قلبها طيب، يسكنُ فيه الإيمانُ والحبُّ لنا ولله. كانت تحبُ الحياة وتستمتع بها، شعرها أحمر، ولها ابتسامةٌ جميلةٌ، وما ألذَّ الطعامَ بأنواعه والحلويات من صُنع يديها.
عندما كانت أمي تخرجُ من غرفتها مُبتسمة فرحانهً ومرتاحة، وكأنَّ أحداً ما أخذَ عنها أحمالها وهمومها وتعبها، من هناك عند سريرها حيثُ ركعت، ورؤيتها واثقة قوية، كان ذلك يبعثُ فيَّ الشعور بالهدوء والطمأنينة، وكأنها تقول لي: لا تخافي يا ابنتي فكلُّ شيءٍ سيكونُ على ما يُرام. كمْ احتجتُها في كل يومٍ من أيام حياتي! لقد اعتمدتُ عليها كثيراً لتصلّي من أجلي ومن أجل باقي أفراد العائلة. فقد أرشدتني إلى أهمية وجود علاقةً شخصيةً ودائمة مع الله، وقد عمِلتْ جاهده على توضيح ذلك من خلال حياتها وتصرفاتها. وأصرّت أيضاً على ذهابي أنا واخوتي إلى الكنيسة، وحضور مدارس الأحد.
تقابلتُ في الكنيسةِ مع مُخلّصي وإلهي، الرَّبَّ يسوع المسيح، ولمّا قبلته في حياتي لم يكن شخصاً غريباً عني، فأمي تعرفه وتثقُ به منذُ زمنٍ بعيد، فهو الذي قبلته وسلّمته مستقبلها وحياتها وسلّمته زوجها وأولادها.
ربَّتْ أمي ستة أبناء، ثلاثُ بناتٍ وثلاثُة صِبيان، واليومَ أنا أمٌّ مِثلُها كرّستُ أبنائي بين يديّ الله، وأُسلّم له وأثِقُ به في إيمانهم ومستقبلهم وحياتهم. أُكَرِّمُ أمّي وأقولُ لها: “نساءٌ كثيراتٌ قُمنّ بأعمالٍ جَليلةٍ، ولكنكِ تفوَّقتِ عليهنَّ جميعاً.” يا تُرى من هو مثالك؟
مقالات/فيديوهات مقترحة:
GIPHY App Key not set. Please check settings